غسان سعود
مع تسديد 635 منتسباً من أصل 710 اشتراكاتهم ليؤمنوا حقهم في الاقتراع، تتواصل استعدادات القيادات المارونية لمعركة «داخلية» جديدة في 25 من الشهر الجاري. يصورها بعضهم حرباً بين المسيحيين المستقلين ضد سياسيي المسيحيين على اختلاف تنوعهم الحزبي.
تعود بداية قصة الرابطة المارونية إلى 21 آب 1952 حين أسستها مجموعة مارونية «نخبوية» بإشراف البطريرك أنطوان عريضة. وانتخب جورج تابت أول رئيس لها، ثم خلفه على التوالي: إلياس الخوري، جان أبو جودة، شاكر أبو سليمان، إرنست كرم، بيار حلو، حارس شهاب وأخيراً ميشال إده الذي ترأس هيئة توافقية سعت منذ تسلمها الرابطة إلى إعداد نظام داخلي جديد لها، مع الإشارة إلى أنها تتألف من رؤساء الجمهورية السابقين، وزراء ونواب حاليين وسابقين، موظفي الدولة من الفئتين الأولى والثانية، أبرز الضباط المتقاعدين، القضاة الموارنة، وبعض رجال الأعمال الناجحين. وينتخب الرئيس، نائب الرئيس، المجلس التنفيذي (15 عضواً)، ولجنة الانتساب إلى الرابطة لثلاث سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة.
وهدف الرابطة الرئيسي هو «حشد طاقات الموارنة، توحيد كلمتهم وجهودهم، للمحافظة على حقوق ومصالح الطائفة المارونية». ويُسجل لها إنجازات عدة أهمها الوقوف وراء إقرار عدد من القوانين، أبرزها: قانون تملك الأجانب، إعطاء المنحدرين من أصل لبناني حق استعادة جنسيتهم. رفع الرقابة عن خطابات البطريرك في نشرات الأخبار. إضافة إلى تقديم دراسات للمجتمع الدولي تطرح حلولاً للحؤول دون توطين الفلسطينيين في لبنان، والتحرك بفعالية لوقف مشاريع كانت «تهدف إلى تهجير المسيحيين من بلداتهم». والأهم، دعوى مراجعة مجلس الشورى لإبطال مرسوم التجنس الصادر عام 1995، ووقف مشروع لتعديل قانون قوى الأمن الداخلي الذي كان «سيخل بالتوازن لحساب طائفة على أخرى». وهي تنظم منذ سبعة أعوام «شهر العودة إلى الجذور» بالتنسيق مع فروعها في بلدان الانتشار، والأبرشيات المارونية فتستضيف شباباً موارنة ولدوا وشبوا في الاغتراب، لتكون بكل ذلك، كما يقول البطريرك، جزءاً من رسالة الكنيسة، من دون أن ‏تكون من ضمن هرميتها.
بالعودة إلى الانتخابات، يطلب بعض رؤساء الأحزاب المارونية التابعة لتيار المستقبل (بعضها وهمي) من البطريرك أن يؤجل الانتخابات ويُعين رئيساً وأعضاء جدداً يثق بهم، نظراً «لخطر خرق العماد ميشال عون وحلفائه السوريين والإيرانيين استقلالية الرابطة». لكن البطريرك لا يأخذ هذه الأصوات في الاعتبار، والانتخابات ستحصل في موعدها، بعد إقفال باب الترشيحات غداً، ووضوح صورة التحالفات التي تمثلت بلائحتين، واحدة يرأسها الأمير حارث شهاب واللواء أنطوان بركات (نائباً للرئيس). فيما اجتمع القواتيون والعونيون معاً، بجهد من النائب نعمة الله أبي نصر، على دعم اللائحة التي يرأسها جوزف طربيه، والتي يشدد أعضاؤها على ضرورة إخراج المنافسة من بعدها السياسي، والانهماك بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية والوجودية التي يواجهها الموارنة.
ويشرح سفير لبنان السابق في واشنطن عبد الله بو حبيب الدور الوسطي التوفيقي الذي اتخذته الرابطة، عبر تاريخ لبنان الحديث، بين الزعامات المارونية الدينية والدنيوية، خصوصاً بين البطريرك المعوشي والرئيسين كميل شمعون وفؤاد شهاب، واهتمامها الدائم بتقريب وجهات النظر لتأمين المصلحة المارونية، وسعيها إلى جمع الأفرقاء الموارنة المتخلفين سياسياً حول النقاط المشتركة. والهدف الأول للائحة بو حبيب بحسبه، سيكون تعزيز الوجود الماروني في مؤسسات الدولة، وخصوصاً أن نسبة كبيرة من الوجود المسيحي في هذه المؤسسات لا يمثل التكتلات المسيحية الرئيسية، إضافة إلى دعم مواقف بكركي دون الانحياز لأي فريق سياسي مسيحي، وإعادة تفعيل «الرابطة المسيحية». ويفخر بو حبيب، المسؤول السابق في البنك الدولي، بالمجموعة النخبوية المارونية الناجحة في قطاعاتها التي تتألف منها اللائحة، وفي مقدم هؤلاء فادي عبود، فرنسوا باسيل، أنطوان شويري، بيار الضاهر، جوزف طربيه، والسفيران سمير حبيقة وفؤاد عون. ويعد هؤلاء بسياسة إسكانية، تربوية، وصحية تعزز الوجود المسيحي في الدولة، وتحفز الشباب المسيحي ــ اللبناني على البقاء في أرضه.
في المقابل، يُسجل على لائحة شهاب أن ثمانية من أعضائها سبق أن كانوا أعضاء في المجالس التنفيذية للرابطة وقدموا ما يستطيعونه. وتتحدث الأوساط المارونية عن نقطة ضعف بارزة تتمثل بحل البطريرك الماروني للرابطة حين كان يترأسها شهاب. كما أن الأخير عُين من البطريرك في لجنة الحوار الإسلامي ــ المسيحي. وبالتالي، وفقاً لموقعه المحاور، يقول أحد المتابعين للملف، لا يستطيع أن يطالب بالجدية المطلوبة بتحقيق مصلحة الموارنة أو بأن يكونوا، كما تفترض الرابطة، إلى يمين البطريرك. لكن شهاب يجد بهذه النقاط محاولة لتضييع الرأي العام، ويؤكد ثقته بالجمعية العمومية، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن تشكيل اللائحة من وجوه قديمة وجديدة يؤمن استمرارية العمل بالملفات التي تحتاج إلى متابعة.
ويقول إن تجربته بين عامي 2000 و 2003 كانت ناجحة جداً، خصوصاً لجهة تفعيل حضور الرابطة، ومواكبتها الملفات الساخنة التي طرحها البطريرك في تلك المرحلة، وتقديمها مشروع قانون اللامركزية الإدارية، وإيلاء الانتشار اللبناني عناية خاصة. ويجد شهاب في وجوده في الرابطة وهيئة الحوار «عامل قوة لا ضعف كما تسوق اللائحة المنافسة».
وعن انتقاداته للفريق الآخر، يكتفي شهاب بذكر أن البطريرك أكد حاجة الرابطة لمسؤولين متفرغين، غامزاً بذلك من قناة انهماك معظم أعضاء اللائحة المنافسة الذين، وفقاً لشهاب نفسه، يُعَدّون من الناجحين في قطاعاتهم.