المنية ــ عبد الكافي الصمد
لم يُكتب للاحتفال المركزي الذي دعت إليه الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين، ولجنة أصدقاء الأسير يحيى سكاف قبل ظهر أمس، بمناسبة مرور 29 عاماً على وقوع سكاف في أسر القوات الإسرائيلية، أن يصل إلى خاتمته المرجوة، إذ إن الإشكالات الأمنية التي سبقته ورافقته، ومن ثم تلته، أرخت بثقلها عليه، وتركت وراءها تداعيات لن يكون من السهل تجاوزها أو التغاضي عنها في المستقبل القريب.
فمنذ ساعات الصباح بدت أجواء غير طبيعية تخيّم على المنطقة، وسط شائعات عن أن أمراً ما يُدَبَّر من أنصار «تيار المستقبل» ومؤيديهم، ترجم على الأرض بعد توزيع بيان ليل أول من أمس في المنطقة حمل توقيع «منية الشهيد رفيق الحريري»، هاجم بشدة وعبارات نابية من سمّاهم «القادمون لشنّ حرب على الحكومة وشرفاء الوطن»، ومن خلال انتشار عشرات الشبان والصبية عند كل المفترقات المتفرعة من الأوتوستراد الساحلي، والمؤدية إلى مطعم «مطلّ القمر» حيث يقام الاحتفال، وهم يحملون العصي، فيما رفع بعضهم بنادق الصيد بشكل ظاهر وعلني، فضلاً عن رفعهم اللافتات المؤيدة لـ«تيار المستقبل»، وتعليقهم صوراً على الجدران لكل من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري، فيما غاب تماماً أي وجود أمني، إن كان للجيش أو لقوى الأمن الداخلي، باستثناء بعض عناصر من الدرك عند مدخل المطعم، على عكس ما حصل الأسبوع الماضي عندما استضاف المكان ذاته مناسبة إعلان «اللقاء التضامني الوطني» في المنية، حيث شهدت المنطقة انتشاراً أمنياً لافتاً.
وقبل نحو ساعة من بدء الاحتفال، بدأت أنباء تتواتر عن تعرض شخصيات ووفود قادمة إلى المكان لاعتداءات، وأن أشخاصاً يرفعون صور النائب الحريري وأعلام «القوات اللبنانية» عمدوا إلى رمي سيارات الوفود بالحجارة، فيما قام بعض آخر منهم باستخدام العصي وضربهم السيارات بها، على غرار ما حصل مع وفد «التيار الوطني الحر» الذي قدم للمشاركة، إضافة إلى إطلاق النار باتجاه موكب الأمين العام لـ«حركة التوحيد الإسلامي» الشيخ بلال شعبان، الذي أوضح لـ«الأخبار» أن «أشخاصاً أطلقوا النار على الموكب ثلاث مرات من بندقية كلاشينكوف، ومن مسدس حربي».
إلا أن التطور الأبرز في هذا الجانب، تمثل في منع مناصري «تيار المستقبل» وزير البيئة المستقيل يعقوب الصراف، الذي جاء ممثلاً رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، من الوصول إلى مكان الاحتفال، في مشهد تكرر مع عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسين الحاج حسن ووفد من السفارة الإيرانية، ما اضطر هذه الوفود وغيرها إلى العودة من حيث أتوا، وخصوصاً بعدما ترافق ذلك مع توتر شديد ومشاحنات شهدها الأوتوستراد الساحلي بين أنصار «تيار المستقبل» وأنصار المعارضة، ما أدى إلى قطع الطريق لأكثر من ثلث ساعة، قبل أن يعمل الجيش وقوى الأمن على إعادة فتحها.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ قامت قوى الأمن الداخلي لاحقاً بتحويل وجهة سير المشاركين في الاحتفال بعد الانتهاء منه باتجاه طريق الضنية ــــــ طرابلس، وعدم السماح لهم بالعبور وسط المنية، بعدما شهدت الطرقات الداخلية تجمع أنصار «تيار المستقبل» عند المفترقات الرئيسية وهم يحملون العصي، وقطعهم أكثر من طريق داخلية بالإطارات والحجارة والسيارات، فيما أفاد شهود عيان «الأخبار» بأن بعض الأشخاص عملوا على «نقل أسلحة حربية داخل السيارات».
ردود الفعل على ما جرى لم تتأخر كثيراً، فعضو «اللقاء الوطني اللبناني» خلدون الشريف، الذي حضر الاحتفال ممثلاً للرئيس عمر كرامي، أشار في مستهل كلمته التي ألقاها في الحفل الذي أقيمت فعالياته وفق البرنامج المحدد، إلى أنه يتوجه بالشكر إلى «سبع الداخلية على حمايته مواطنين جاؤوا لإحياء ذكرى أسير بطل، مخر عباب البحر وذهب ليناضل في فلسطين من أجل استعادتها، ومن أجل تحرير أرض لبنان، فسحقاً لهذه الدولة وسحقاً لهذه الداخلية».
ونفى الشريف الشائعة التي سرت عن أن موكب الرئيس كرامي قد تعرض للاعتداء، لافتاً إلى أن «لا أحد يستطيع أن يتعرض لموكبه، وأن كرامي يمكنه أن يصل إلى أي بقعة من بقاع لبنان».
وأشار النائب الحاج حسن في بيان له إلى تعرض موكبه «لاعتداء من عدد من الأشخاص يحملون أسلحة حربية وعصيا، ويقطعون الطرقات بواسطة الجرارات الزراعية على طريق المنية المؤدية إلى مكان الاحتفال»، مشيراً إلى أنّ «التصرفات الميليشياوية التي قام بها هؤلاء المسلحون المحسوبون على قوى السلطة تمّت بعد صدور بيانات ليل السبت الأحد في منطقة المنية، تحرّض على الاعتداء، وعلى منع المشاركة في الاحتفال وصولاً إلى تعطيله، واستخدم في البيان عبارات نابية، وإنّ ما جرى نضعه في رسم المسؤولين والسلطات الأمنية والقضائية».
بدوره النائب هاشم علم الدين، الذي تبين أنه لا يعلم حقيقة ما يجري في منطقته، نفى علاقة «تيار المستقبل» بالأمر، لأنه «ليس عنده ميليشيات، ولو كان له علاقة لاستشارني!»، رافضاً في الوقت نفسه «قطع الطرقات أو مصادرة الرأي الآخر».
واتهم عضو شورى «حزب الله»، وكيل الإمام الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك «السلطة وميليشياتها والأبواق، التي انطلقت قبل أيام، بالاعتداء على الموكب المتجه للمشاركة في إحياء ذكرى أسر يحيى سكاف». كما طالب رئيس الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين الشيخ عطا الله حمود «بملاحقة الموتورين ومعاقبتهم»، مستنكراً «الإساءة إلى قضية تجسد روح الوحدة الوطنية».
كما استنكرت «حركة الناصريين الديموقراطيين» و«الحزب العربي الديموقراطي» و«حركة النضال اللبناني العربي» التعرض للوفود السياسية الوافدة إلى المنية للمشاركة في الاحتفال.