strong>عمر نشابة
يكثر الحديث عن استقلالية القضاء في لبنان، وبعد قيام وزير الداخلية بتجاوز سريّة التحقيق القضائي في جريمة عين علق، يبدو أن رئيس مجلس القضاء الأعلى يتجاوز بدوره استقلالية القضاء عبر التعميم على المحاكم «العمل بمضمون كتاب صادر عن وزير الدفاع»

«إن استقلالية القضاء أمانة، ومعيار الالتزام بها هو الممارسة، وهذا امتحان الجميع الذي نأمل أن يكون كلّ المسؤولين في البلاد على مستوى هذه الأمانة وهذا الامتحان» (بيان جلسة مجلس الوزراء في 13ـ3ـ2007). علمت «الأخبار» أن قضاة منفردين وجزائيين في بيروت وصلهم كتاب يتضمّن توجيهات «للعمل بمضمونه» موقّع من رئيس مجلس القضاء الأعلى والمدير العام لوزارة العدل ووزير الدفاع الوطني. ألا يبدو ذلك تجاوزاً
لاستقلالية القضاء وتدخّلاً في عمل المحاكم؟
أرسل وزير الدفاع الوطني إلياس المرّ كتاب (رقم 398/ع غ/و تاريخ 28/2/2007) إلى وزارات الداخلية والبلديات والأشغال العامة والنقل والمالية والعدل بعنوان: «التشدّد في تطبيق القانون على مرتكبي المخالفات البحرية». وجاء نصّ الكتاب كالآتي: «تبين لوزارة الدفاع الوطني بأن الإجراءات المتخذة بحق مرتكبي المخالفات البحرية غير رادعة من جهة ومتفاوتة من جهة أخرى، مما يشجّع المخالفين على تكرار المخالفات ويرتب أعباء مادية وجسدية على القوات البحرية. لذلك نرى ضرورة التشدّد في اتخاذ الإجراءات الرادعة بحقّ المخالفين». كما أرسلت نسخة عن هذه الرسالة إلى قيادة الجيش. وفي 1 آذار 2007 سجّل هذا الكتاب في ديوان وزارة العدل تحت رقم 1053/3 ووقّع على الكتاب نفسه المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور. وفي 5 آذار 2007 أُرسل الكتاب إلى مجلس القضاء الأعلى وسجل تحت رقم 305. وفي 6 آذار 2007 دوّن على الكتاب نفسه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي أنطوان خير: «جانب الرئيس الأول الاستئنافي في بيروت، للاطلاع والتعميم على المحاكم التابعة لكم للعمل بمضمون كتاب معالي وزير الدفاع الوطني المبين أعلاه». ووقّع القاضي خير، كما ختم الكتاب وأصبح كتاب وزير الدفاع يحمل ثلاثة أختام وثلاثة توقيعات تجمع بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية: ختم وزارة الدفاع وتوقيع الوزير وختم ديوان وزارة العدل وتوقيع مديرها العام وختم مجلس القضاء الأعلى وتوقيع رئيسه.
ملاحظات في النظام العام
إن توجيه رئيس مجلس القضاء الأعلى طلباً للرئيس الأول الاستئنافي في بيروت للتعميم على المحاكم بـ«العمل بمضمون كتاب معالي وزير الدفاع الوطني» مستغرب ويطرح تساؤلات بشأن استقلالية القضاء. وفي هذا الإطار قال خبير قانوني لـ«الأخبار» إنه «لا صفة لمجلس القضاء الأعلى في تحديد السياسة الجنائية»، وأضاف أن من المفترض أن يصل كتاب وزير الدفاع إلى يد وزير العدل الذي يتمتّع بصلاحية إرساله إلى النيابات العامّة للعمل بمضمونه، لأن النيابات العامة هي الجهة التي تعمل على الحفاظ على الحقّ العام وتساهم في تحديد السياسة الجنائية وتنسّق مع وزير العدل في هذا الإطار. لكن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي خير دوّن على كتاب وزير الدفاع توجيهاته لصالح تعميم الكتاب «على المحاكم» التابعة للرئيس الأول الاستئنافي وهي تضمّ محاكم الاستئناف والبداية ومحاكم الجزاء والجنايات والقضاة المنفردين، ما يبدو مخالفة لمبدأ استقلالية القضاء، وقد لا يحقّ لرئيس مجلس القضاء الأعلى أن يأمر المحاكم بالعمل بمضمون كتاب صادر عن وزير الدفاع.
strong>ملاحظات بروتوكولية
بعد مطالعة لهذا الشأن، أعرب مرجع رفيع في المراسم والبروتوكول أن إرسال وزير الدفاع الوطني كتاباً إلى وزارات غير وزارته يعدّ مخالفة للبروتوكول الإداري، إذ تقتضي الأصول توجيه الكتاب إلى الوزراء المختصّين ليصدروا توجيهاتهم بخصوصه إلى المسؤولين والعاملين التابعين لوزاراتهم أو للردّ أو مناقشة المضمون مع زميلهم الوزير المرّ.
ملاحظات في مضمون الكتاب
أما في ما يخصّ مضمون كتاب وزير الدفاع، فيبدو أنه يحتاج إلى نقاش، إذ إن القانون لا يعمل حصرياً على أساس «الردع» إنما يتضمّن العديد من الإجراءات التي توظّف لخفض معدّل الجريمة ومكافحة المخالفين. وإذا كان لدى وزير الدفاع شك في الإجراءات القضائية عند ذكره أن «الإجراءات المتخذة بحق مرتكبي المخالفات البحرية غير رادعة من جهة ومتفاوتة من جهة أخرى»، يمكنه توجيه كتاب بهذا الخصوص إلى وزير العدل.