فداء عيتاني
لا يغفل علماء سنة في مجالسهم عن تعقد الأمور بعد إعدام صدام حسين، ولا يبتعدون كثيراً عن الواقع حين يتحدثون عن تشابك العوامل الإقليمية والدولية في لبنان، وعن ازدياد الأمور تعقيداً بين الطوائف اللبنانية. وهم يرون أن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله هو «الطرف الأقوى»، وبالتالي هو من يمكنه التحكم بمسار الأمور والاتجاه نحو حل جدي، وإلا فإن الأمور ستذهب إلى حيث لا أحد يريدها أن تصل.
ويتخوف هؤلاء العلماء من رد فعل الشارع بعد إعدام صدام، وما رافق ذلك من نشر شريط الفيديو الذي يصور تفاصيل الإعدام والاستفزازات التي تعرض لها صدام، مشيرين إلى أن صدام قتل من الأكراد السنة أكثر مما قتل من غيرهم، وقتل من كل الطوائف بغية إحكام قبضة سلطته. إلا أن الانعكاس المباشر لهذه العملية هو ازدياد الاحتقان المذهبي في لبنان كما في العراق، وهذه المرة لم يعد من الممكن إقناع الشارع السني بأن سقوط رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اليوم لا يعني ضربة قاصمة للسنة.
وينقل هؤلاء عن رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري أنه في «موقع دفاعي»، وأن جل ما يقوم به هو الدفاع عن المحكمة الدولية، وضرب الحكومة سيطيح هذه المحكمة، فيما الطرف الآخر هو من يقوم بالهجوم، وهذا الطرف هو «حزب الله» أساساً، ومن حوله مجموعة من الأطراف الأضعف.
ويقول هؤلاء العلماء الذين التقوا الحريري أخيراً إن الأخير ربما لم يقنعهم، لكنه أوضح على الأقل موقفه من الأمور، ووضع نفسه في موقع من لم يتخذ أية خطوة هجومية، على عكس من أقاموا الاعتصامات والمخيمات في الساحات.
ويتحدث العلماء عن إمكان تراجع «حزب الله» عن تصعيده، ويؤكدون أن «في إمكان السيد نصر الله أن يعيد إلى المقاومة بريقها، وإلى شخصه أسطوريته التي سقطت بعدما دخل الحزب في النزاع المحلي، وذلك عبر إعلان نصر الله أنه، حرصاً على دماء المسلمين ومنعاً للفتنة المذهبية، وحرصاً على الوحدة الوطنية، وعلى رغم أحقية المطالب التي ترفعها المعارضة، إلا أنه، من موقع القوي لا الضعيف أو المتراجع، يوقف تحركات المعارضة ويرجئها إلى مرحلة أخرى على أن تحصل تسويات لاحقة للمواضيع العالقة».
تبدو هذه الأطروحة بسيطة، إلا أنها في نظر من يدعو إليها ستحمل «حزب الله» وقائده «عالياً في أوساط السنة في لبنان والعالم العربي، ويمكنها أن تشكل خرقاً في الجو العربي والإقليمي والدولي الذي يتحكم بلبنان ويحوله إلى ساحة نزاعات. كما يمكن هذه المبادرة أن تثبت أن حزب الله سيد نفسه، وقراره مستقل، وأن لا صحة لما يدعيه الخصم من أن الحزب يحمل مشروعاً إيرانياً».
بعض هذه الشخصيات العلمائية يرجئ اللقاء بنصر الله نظراً لحساسية الشارع السني حالياً تجاه الشيعة، وهو ما يشيرون إليه بأن «العوام لن تفهم منطق الأمور اليوم، واللقاء بالحريري مع ما قد يحمله من اتهامات بالالتحاق بركب المستقبل أخف وطأة من اللقاء بأطراف من حزب الله التي تحيل الزائر إلى ملتحق بركب إيران مباشرة». ويحذر هؤلاء من أن منطق الأمور التي تسيرها الولايات المتحدة في المنطقة سيدفع إلى فتنة سنية ــ شيعية لا محال، وسيقع الدم في الشوارع، وانعكاسات إعدام صدام لن تقف عند توتر مكبوت في النفوس.