أنطون الخوري حرب
يشير اقتراب عيد الميلاد لدى طائفة الأرمن الأرثوذكس الذي يصادف السبت المقبل، إلى انطلاق زخم المعارضة من جديد، في سياق التصعيد الهادف إلى تحقيق مطالبها. ويكثر التساؤل في أوساط السلطة عن طبيعة التحركات المعارضة المقبلة، إلى حد تصوّر كل أشكال التصعيد، بدءاً بالحشد الجماهيري مروراً بالعصيان المدني وصولاً إلى استقالة 57 نائباً من البرلمان.
وتتحسّب السلطة لكل احتمال، لتتعاطى معه وفق خطة معدة لإجهاضه. فإذا ابتدأت خطوات المعارضة بالحشد الجماهيري، فإن تيار المستقبل وحلفاءه أعدّوا خطة منظمة لتحرك شعبي مضاد، ومتماثل لجهة احتلال ساحة النجمة والاعتصام فيها بشكل مفتوح. وأكثر المتحمسين لهذه الخطوة هو تيار المستقبل الذي عقد أركانه اجتماعات مطوّلة خلال عطلة الأعياد للبحث الجدي في مقابلة الشارع بالشارع، كما حدت الحماسة ببعض هؤلاء إلى المطالبة بحقهم في توسيع رقعة تحركهم باتجاه محيط القصر الجمهوري.
وفي هذا الإطار استطلع بعض أركان المستقبل المنطقة المحيطة بالقصر، واستقروا على اختيار شارع مستشفى قلب يسوع وشارع تعاونية الجيش عند مقدمة الطريق الخاصة المؤدية إلى القصر، فتقفل الطرقات المتفرعة من هذين الشارعين لتتحول إلى مقر اعتصام مفتوح لقوى 14 آذار.
كذلك يجري البحث في تنظيم اعتصام مماثل حول قصر بيت الدين المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية. ووفق هذا المخطط يصبح للحكومة ثلاثة اعتصامات متحركة وثابتة، مما يستجلب التركيز الإعلامي على هذه الاعتصامات إضافة إلى جذب تركيز الرأي العام. وتم الاتفاق على أن يتولى تيار المستقبل ومسيحيو 14 آذار تنفيذ اعتصام قصر بعبدا، في مقابل تولّي القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي اعتصام بيت الدين. وفي ساحة النجمة تتولى مجموعات من قوى 14 آذار، وفي مقدمها بعض الرموز الشيعية، تنفيذ الاعتصام المفتوح. ويجري البحث منذ يومين في اختيار نقطة ضغط رابعة على رئيس الجمهورية، هي بلدة بعبدات، مسقط رأس الرئيس إميل لحود، ومنزله بالتحديد، على أن يتولى تنفيذ هذه الخطوة حزبا الكتائب والأحرار.
وإذا كانت هذه المخططات دليلاً على نية السلطة تغيير أسلوب مواجهتها للمعارضة، فإن هذا الأمر يعد استعداداً لحل الأزمة بين الطرفين عن طريق مقايضة رئاسة الحكومة الحالية برئاسة الجمهورية. وهذا ما يعني اتخاذ السلطة زمام المبادرة بدل الاكتفاء بالصمود ورمي الكرة في ملعب أخصامها، وإحداث حال إرباك في صفوفهم. ولكي تكتمل مشهدية تضييق الخناق على عنق المعارضين، ستلجأ السلطة إلى عمل تضليلي كبير، جرى الإعداد له بدقة متناهية، وهو القبول بانتخابات نيابية مبكرة، على قاعدة قانون انتخابي بعيد عن دائرة القضاء والدائرة الفردية، أو على قاعدة النسبية، بل وفق قانون انتخابي موجودة مسوّدته في أدراج اللجنة المكلفة بإعداد قانون الانتخاب برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس، فينتقل حينها السجال من موضوعي الثلث الوزاري المعطل، والمحكمة ذات الطابع الدولي، إلى القانون الانتخابي. ويراهن أركان السلطة على جعل هذا الموضوع مادة سجال سياسي دسمة تتخطى كل برامج المعارضة وأهدافها كما تتبنى مطلبها الأساسي بالانتخابات المبكرة وتحشرها فيه.
وبرأي المعارضة فإن هذه الخطة ليست جديدة، وقد جرى التداول فيها عقب انطلاق التحرك الشعبي للمعارضة في الأول من كانون الأول الماضي. وترى المعارضة أن هذه الأفكار لدى فريق السلطة ما هي إلا عارض هذيان.
فسياسة الحكومة، بحسب المعارضة، أصبحت مكشوفة ولم تعد تنطلي على أحد. كما أن المعارضة متحسبة بدورها لكل الاحتمالات. وإذا كانت السلطة تعتبر هذه الخطوات المتداولة مفاجأة المفاجآت، فإن الرد عليها إذا ما طرحت سيكون هو المفاجأة بعينها. فالحكومة معطلة وغير قادرة على إنعاش نفسها، وفريق السلطة بات أمام خيارات محدودة. وما يجري تداوله هو أصدق تعبير عن تخبّط هذه السلطة مع نفسها وفقدانها البوصلة السياسية للوضع الحالي. كذلك ترى المعارضة أن أفكار السلطة هذه موحى بها من قبل دبلوماسيين قدموا إلى لبنان أخيراً بناءً على طلب من تيار المستقبل من أجل إسداء النصح والمشورة للحكومة لكي تتمكن من الخروج من مأزقها وإنقاذ نفسها من السقوط. وإذا كانت المعارضة تحجم عن إعلان كل ما تملكه من معلومات في هذا المضمار، فلأن تكتيكها يقتضي اختيار الأوقات المناسبة لإعلان الحقائق إلى الرأي العام. وقد يكون هذا الوقت قد أزف.