غسان سعود
مرّة جديدة، يثير قطاع الاتصالات بلبلة. والعنوان، هذه المرة، الهيئة الناظمة للاتصالات. ويتناول النقاش الهيئة نفسها، والأشخاص الذين عينوا في هذا الموقع ترجمة لبرنامج السنيورة الإصلاحي، وخصوصاً خيار الخصخصة: الرئيس كمال شحادة، والأعضاء محاسن عجم، عماد حب الله، مروان متى وباتريك عيد. فمن هم
هؤلاء؟ وما هي، أصلاً، الهيئة الناظمة للاتصالات؟


في السياسة، يُجمع رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات والأعضاء على القول إنهم غير مسيّسين، ولا يريدون أن يكونوا كذلك، حتى لو جهد سياسيون كثر لأخذهم في هذا الاتجاه. والأكيد أن الخمسة ليسوا أعضاء فاعلين في أي حزب، رغم تأييدهم، جميعاً، لبرنامج الرئيس السنيورة الإصلاحي المرفوض من المعارضة. ويمكن القول إن التفكير الاقتصادي للأعضاء المعيّنين هو نفسه مئة في المئة خيار الفريق الحاكم. والأكيد أيضاً أن رئيس الهيئة الدكتور كمال شحادة يكاد يكون المرادف لكلمة «خصخصة» في النقاشات الاقتصادية اللبنانيّة والعربيّة، وهو أحد أبرز المنظّرين للفكر الاقتصادي النيوليبرالي الذي أدى إلى ما وصلنا إليه (ليست السلبية حتمية في هذا السياق). وفيما تعذّر الاتصال بحب الله ومتى لوجودهما خارج البلاد، ننشر هنا لمحة عن الأعضاء الثلاثة الآخرين.
شحادة
الدكتور كمال شحادة، أستاذ محاضر في كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت. وهو حائز إجازة في الاقتصاد من جامعة هارفرد سنة 1986، ودكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة كولومبيا سنة 1994. نال جوائز عدة أبرزها من هارفرد سنتي 1989 و1990، ومن المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن سنة 1992. أسّس سنة 2000 شركة «كونكس كونسلتينغ» ويشغل اليوم منصب مديرها العام. وهي تعمل في مجال تنظيم الاتصالات وقطاعات أخرىوعن أبرز منجزاته المهنية، يلفت شحادة إلى مساهمته في وضع دراسات لـ«تحرير» قطاعات الاتصالات وإنشاء هيئات منظمة في عدد من الدول العربية، أبرزها الجزائر، المغرب، الأردن، المملكة العربية السعودية، وأخيراً ليبيا. ونفّذ مهمات استشارية في تنظيم الاتصالات في عدد كبير جداً من الدول العربية. وتتضمن خبرة شحادة الاستشارية مشاريع عديدة في الخصخصة واستراتيجيتها وإطارها التنظيمي العام، إضافة إلى عمله مع منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي. علماً بأن نشاطه يشمل مجالات أخرى. فهو من مؤسسي المنتدى الاقتصادي المتوسّطي للتنمية، الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات، ومنتدى البحث الاقتصادي، وهو عضو في مجلسي إدارة تجمّع رجال الأعمال اللبنانيين والجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية.
ويسجل لشحادة من خلال محاضرات كثيرة عن الخصخصة، قوله في أكثر من مكان، أن «على الحكومات عدم التعاطي مع قطاع الاتصالات كبقرة حلوب»، «يجب عزل الخصخصة عن السياسة بمعنى كف يد السياسيين عن السيطرة على عملية الخصخصة». وهو جزم أكثر من مرة بأن معرفة كيفية تنظيم الخصخصة وهندستها تزيد الاستثمارات وتوجد فرص عمل. وأكد في إحدى مقابلاته الصحافية أن قطاع الاتصالات اللبناني جاهز اكثر من سواه للخصخصة التي، في حال تطبيقها، ستؤدي الى تحقيق المزيد من الارباح المالية المحولة الى الخزينة بسبب تفعيل الادارة القيّمة على هذا القطاع ومدّها بالموارد البشرية الكفوءة ومواكبة المتغيرات العلمية الجديدة. فهل يصدق «رجل البنك الدولي في لبنان» كما يصفه البعض؟ أم يدفع ثمن «سلبية الخصخصة» والانحياز التام لنصائح البنك الدولي كما سبق وفعل كثيرون.
عيد
الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية التي فتحت باب النقاش على مصراعيه في كفاءة الأعضاء الذين اختيروا، اكتفت بالقول إن الخبرة تنقص الرئيس. ورأت أن خبرة محاسن عجم، بحسب سيرتها الذاتية، تنحصر في مجال التسويق، فيما تقتصر خبرة مروان متى على المجال التقني البحت، ومجال تسويق المعدات. وكذلك الأمر بالنسبة إلى باتريك عيد الذي يعمل مهندساً مدنياً. ويضاف إلى متى وعيد، عماد حب الله الذي تنحصر خبرته أيضاً في المجال التقني. ولفتت ملاحظات الرئاسة الى فقدان معياري «الكفاءات العالية والخبرات الطويلة في مجالات تنظيم الاتصالات وإدارتها» و«استقلالية الهيئة وأعضائها وعدم تبعيتهم أو محسوبيتهم لأي جهة سياسية او رسميةوفي المعلومات التي أمكن جمعها عن الأعضاء، تخرّج باتريك عيد سنة 1987 من الجامعة اليسوعية بإجازة في الهندسة المدنية والأشغال العامة. وبعدها مباشرة، سافر إلى فرنسا، لمتابعة دروسه في إحدى كبريات الجامعات في فرنسا، وتخصص في الاتصالات اللاسلكية والإرساليات، ليعمل بعدها ضمن تكنولوجيا تبادل المعلومات طيلة خمس سنوات قضى معظمها في العمل بالبرامج الرقمية وإعداد الدراسات للمؤسسات النووية في فرنسا. ولاحقاً عاد إلى لبنان ليعمل مع شركة IDN في تبادل المعلومات. ثمّ اختاره أستاذه السابق في اليسوعية للعمل معه في الـ FTML التي كانت مكلّفة إنشاء شبكة الهاتف الخلوي في لبنان، فتسلّم فرع الهندسة في الشركة. وحين أنشئت شركة «فرانس تيليكوم» عام 2000، عُين مديراً فنياً فيها. واستمر في موقعه حتى أيار 2004 حين فضّت وزارة الاتصالات العقد مع الشركة. عندها، انتقل عيد إلى نيجيريا، حيث عمل ستة أشهر مع شركة NOKIA. وبالنسبة لعيد، فإن ردَّ الوزير مروان حمادة على رئيس الجمهورية «شاف وواف». وعن توزيع الأدوار بين الأعضاء داخل الهيئة، يقول عيد إن هذا قيد البحث، وهم يفضلون عدم الدخول في التفاصيل الآن.
عجم
أما محاسن عجم، فتبتسم بهدوء. تستعيد ما قاله رئيس الجمهورية عنها، وتقول إنها لم تكن تبيع البطاطا خلال السنوات الثماني الماضية. علماً بأنها مجازة في الهندسة المعمارية وتنظيم المدن. ولاحقاً حصلت على شهادة الجدارة في إدارة الأعمال. وتقول عجم إن خبرتها في قطاع الاتصالات مستقاة من عملها أربع سنوات مديرة لشركة إنترنت، وأربع سنوات أخرى في شركة للاتصالات اللاسلكية، حيث تمحورت مهناتها حول الإدارة والتسويق. وتوضح عجم أنها، وبعد عودتها من باريس، خاضت انتخابات المجلس البلدي في بيروت من دون أن تربط بين ترشحها والمصالح السياسية. لكن حصل ما حصل واتهمت بأنّها تؤيد فريقاً سياسياً معيناً. وتكرر الأمر نفسه بعد أن قدمت ترشيحها إلى عضوية الهيئة الناظمة للاتصالات عبر الإنترنت، لتفاجأ بـ«الحملة والافتراءات»، رغم أن الموقع الذي عينت فيه يعدّ، بالنسبة لها، تكنوقراطياً تنفيذياً لا دخل فيه للسياسة أو السياسيين.
وهكذا بين الكفاءة الأكاديمية ومهمات الأعضاء المعيّنين وتداخل السياسة في الإدارة، يطرح السؤال عن مصير الهيئة الناظمة للانتخابات، وممارستها لعملها أو عدمه، وسط إصرار رئيس الجمهورية على عدم توقيع مرسوم اعتماد الأعضاء المعينين، والحجة ليست في عدم الكفاءة، بل في عدم دستورية الحكومة التي تصدر القرارات والقوانين.




لبنان الأعلى كلفة

يناهز عدد المشتركين في الهاتف الخلوي في لبنان مليون مشترك. والمفارقة، بحسب الخبراء، هي أنّ لبنان يعد البلد الأعلى كلفة في الاتصالات الخلوية. وسيكون قطاع الاتصالات في رأس لائحة الخصخصة على الرغم من تصنيفه بين القطاعات المربحة بالنسبة إلى الدولة.
وقد بلغت واردات الخزينة اللبنانية من الهاتف الخلوي 297 مليون دولار عام 2001، و403 ملايين عام 2002، و594 مليوناً عام 2003 و701 مليون عام 2004. وبلغت التحويلات من وزارة الاتصالات الى وزارة المال 464 مليون دولارعام 2001، و497 مليوناً عام 2002، و691 مليوناً عام 2003 و889 مليوناً عام 2004.
عالمياً، يعد قطاع الاتصالات من القطاعات الأكثر أهمية. وقد وصلت إيراداته عالمياً إلى قرابة 1370 مليار دولار في سنة 2003، منها 300 مليار دولار فقط للتجهيزات. وتضاعفت الإيرادات 3 مرات بين عامي 1991 و2003 مما يؤكد النمو الكبير للقطاع.
وفي عام 2003، كان العالم يتمتّع بـ1210 ملايين خط ثابت و1329 مليون خط خلوي و63 مليون مشترك في شبكة الموجات العريضة Broadband.




دور الهيئة

تهدف الهيئة الناظمة للاتصالات، بوصفها سلطة تنظيميّة تتوافق مع ما نص عليه قانون الاتصالات الصادر في تموز 2002، إلى تنظيم قطاع الاتصالات لتأمين بيئة تنافسية تقدم خدمات ذات جودة عالية بأسعار تنافسية. وهي تدفع باتجاه تولي السلطة ست مهمات شبه جديدة:
أولاً، الترخيص لعمليات وخدمات اتصالية مع تطبيق القواعد والقوانين. ثانياً، إدارة ومراقبة الموجات السمعية. ثالثاً، الاهتمام بمسائل تقنية تغطي التواصل والترقيم والمعايير وجودة الخدمة. رابعاً، الاهتمام بخدمات الزبائن والعلاقات العامة وحماية مصالح المستهلك. خامساً، الاهتمام بقضايا مالية واقتصادية مثل السياسة المفترض اتباعها، ودراسة السوق والأسعار. إضافة إلى اهتمام سادس بالخدمات الإدارية، مثل: القضايا المالية/ التدقيق، الموارد البشرية، صيانة الكمبيوتر وخدمات داخلية عامة.
وكان مجلس الوزراء قد وافق على إنشاء الهيئة في 2 كانون الأول 2004. وقال يومها وزير الاتصالات جان لوي قرداحي: «إنها رسالة إيجابية إلى الاتحاد الأوروبي». وكان قرداحي، المحسوب على رئيس الجمهورية، أشار إلى أن الهيئة ستضم أكثر من 200 شخص يعملون في أمور تقنية وإدارية واقتصادية وقانونية. وأشار إلى أن هناك قرابة 70 شخصاً يمكن أن ينتقلوا من وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو إلى الهيئة الناظمة.
واللافت أنّه من أصل 720 شخصاً تقدّموا بترشيحهم إلى عضوية الهيئة، لم تقابل اللجنة المكلّفة درس طلبات المرشحين أكثر من مئة وعشرين مرشّحاً. وكان يجري التداول باسمين بارزين يضافان إلى الذين عيّنوا، هما جلبير نجار (مفوض الدولة المالكة لشبكتي الخلوي لدى مجلس إدارة المشغلين)، وحسام شمس الدين (الموظف في شركة «لوسينت» الأميركية لأجهزة الاتصالات). وقيل إن أبرز أسباب تسريع عملية خصخصة الخلوي هو إبداء مرجع عربي كبير لمسؤولين حكوميين رغبته في الاستثمار بهذا القطاع.
ويقول المعارضون لخصخصة القطاع الخلوي بإشراف الحكومة الحالية إن الارباح التي تجنيها الدولة من قطاع الخلوي في لبنان، تقارب مليار دولار، علماً بأن بإمكان الدولة أن تحصل على أكثر من ذلك. ويتهم هؤلاء لجنة التقييم المكلفة اختيار أعضاء الهيئة الناظمة، بعدم الشفافية والصدقية من منطلق ضمها مثلاً لعضو كتلة المستقبل النائب غازي يوسف، في خرق لمبدأ الفصل بين السلطات، إضافة للمديرَيْن العامَّيْن لوزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف وناجي اندراوس اللذين يفترض بالهيئة الناظمة أن تراقب عملهما مستقبلاً.




مراحل الخصخصة

شكل «القانون 228ــ إطار الخصخصة»، الصادر عام 2000، قاعدة لتطوير القوانين الخاصة التي ترعى القطاعات المنوي تخصيصها ووضع المبادئ لذلك. وفي عام 2001، أنشئ المجلس الأعلى للخصخصة. وفي عام 2002، صدر قانونان خاصان، الأول يرمي الى تشركة قطاع الهاتف الثابت وخصخصته، والثاني ينظم قطاع الكهرباء وتقسيمه الى مكوناته وخصخصته، واستثني قطاع النقل.
وبحسب ورقة السنيورة الإصلاحية، ستساهم الخصخصة في «تأمين النمو»، «خفض الدين العام والعجز المالي»، و«ترسيخ وتطوير وتوسيع الأسواق المالية في لبنان»، إضافة إلى «رفع مستوى الخدمات العامة وتعزيز الثقة بها، وخفض كلفة التشغيل من خلال تطوير الأداء وزيادة فعالية العمل، تنويع الخدمات، وتخفيض كلفتها لقطاع الأعمال».
وتتمثّل المراحل الرئيسة لخطة خصخصة الاتصالات، وفقاً لورقة السنيورة، بالآتي: (i) مع حلول الربع الأول من العام 2007، ستؤسس الهيئة الناظمة ويعيّن مجلس إدارتها، وسيتم وضع قانون يجيز بيع أصول قطاع الهاتف الخلوي وتراخيص تشغيله. ومع حلول الربع الثاني من العام 2007، سيتم بيع كامل أو غالبية الأسهم في شركتي الهاتف الخلوي، وستؤسّس شركة «ليبان تيليكوم» عبر دمج هيئة أوجيرو التي تتولى تشغيل خط الهاتف الثابت وإدارتين من إدارات وزارة الاتصالات، بحيث تتم خصخصتها في العام 2008.