جورج شاهين
المواجهة بين الحكومة ومعارضيها التي بدأت بعد استراحة الاعياد تظهر البلد بمختلف ساحاته وكأن بات ساحة صراع بلا ضوابط، وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والدستورية بعد الاعلامية.
وتوقعت مصادر سياسية ودبلوماسية المزيد من الحدة بين الطرفين بحيث تتجمد كل الوساطات التي كانت تتوخى تبريد الاجواء، فالامين العام للجامعة العربية عمرو موسى وممثل رئيس القمة العربية الدورية للدورة الحالية مستشار الرئيس السوداني مصطفى عثمان اسماعيل لن يعودا في المدى المنظور الى لبنان، ما لم يطرأ جديد، وهو مستبعد، وان طلب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة منهما ذلك فان المعارضة ستطلب العكس. والسفير الفرنسي غادر لبنان في مهمة وصفت بأنها عاجلة وتمتد اسبوعا على الاقل، والسفير الاميركي وسع قاعدة اتصالاته لتشمل المعارضة واطرافاً أخرى في خانة المستقلين. وخارج دائرة الفرز الحاصل غاب السفراء - الوسطاء عن الحركة اليومية ولا سيما السفير السعودي.
ماذا يعني ذلك؟ وهل ان غياب الوساطات يدعو الى القلق؟
تقول المصادر عينها ان المؤشرات هذه تدل على ان الامور باتت قريبة جدا من الانفلاش الشعبي والسياسي المفتوح على مختلف الاحتمالات، وان المرحلة تشهد عروضا جديدة للقوة امام المراجع الدولية التي باتت تمسك بمفاصل الازمة من طرفيها بضوابط يختلف اللبنانيون في قراءتها من زاويتين متناقضتين. والدلائل على هذه المعادلة الواضحة كثيرة ولكل من الطرفين القدرة على المضي باللعب على حد السكين، ومنها:
تقول اوساط الموالاة ان الخطوات التي اطلقتها المعارضة تحمل الكثير من علامات الشرذمة. فقيادة حزب الله ومعها حليفتها قيادة حركة امل قدمتا اول عروضهما امس في رفض المشاركة في «المسلسل اللبناني الطويل» من الاعتصامات المتنقلة امام الوزارات والمقرات الرسمية، في خطوة تؤكد وجود قرار واضح بعدم توسيع رقعة خلافات الطرفين مع فئات سياسية ومناطقية وطائفية اضافية.
وتضيف ان اطراف المعارضة الاخرين ومنهم التيار الوطني الحر والمردة والحزب الديمقراطي اللبناني يسعون الى الافادة من الزخم الشعبي تحت عناوين اقتصادية ومالية وادارية ضاغطة من اجل استعادة بعض النقاط التي خسروها جراء عدم تحقيق اي من الاهداف التي رسمت للاعتصام المفتوح في ساحتي الشهداء ورياض الصلح.
وتعول هذه الاوساط على نجاحها في تظهير النتائج السلبية المترتبة على الاعتصامات المتنقلة، وما ستتسبب به من زحمة سير خانقة في احياء بيروت ومداخلها يوميا، عدا ما سينتج من تعطيل لاعمال الناس في الدوائر الرسمية. بينما تعمل الحكومة في اتجاهي اعداد تعديلات على قانون الانتخاب وتقديم تفسيرات دستورية وقانونية لاجراء الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي لملء المقعد الذي شغر باغتيال النائب بيار الجميل من دون الحاجة الى مرسوم لن يوقعه رئيس الجمهورية.
وفي المقابل بدا ان للمعارضة قراءة أخرى لقراراتها واجراءاتها الاخيرة، وهي تبني عليها الكثير من الامال لتحقيق ما تريده من حركتها التصاعدية في اطار المسلسل المتنقل للاعتصامات امام الوزارات والدوائر الرسمية وصولا الى الاعتصامات المقررة على نقاط الحدود الدولية والمرافىء البرية والبحرية والجوية لممارسة اقصى الضغوط الداخلية والدولية وتوجيه الرسائل المدوية الى المراجع الدولية المؤثرة في الملف اللبناني.
وتقول هذه المصادر انه ليس لديها اية حسابات شعبية لحجم الاعتصامات وان توزيع الادوار يقضي بغياب الحضور الشيعي عن هذه التجمعات في مناطق محددة وانه سيحضر حيث يجب. وان الاعتصامات لا تقول بمنع دخول الموظفين الى مكاتبهم وان التدابير الامنية هي التي حالت دون حضورهم والمواطنين اصحاب المعاملات الرسمية اليها.
وما بين القراءتين والاسباب الموجبة لمعطيات الطرفين يبدو ان مصادر القلق تعود الى ان من الصعب توفير اي من القواسم الايجابية المشتركة التي يمكن ان يبنى عليها للمستقبل القريب ما لم يطرأ ما يقلب الاوضاع راسا على عقب.