لم يكن الحضور المتنوّع الذي شهده فندق «السفير»، أمس، إلا تعبيراً متطابقاً مع عنوان «اللقاء الإسلامي الموحد» الذي نظمته «لجنة متابعة مؤتمر بيروت»، حيث اجتمعت شخصيات سياسية وإسلامية تحت الآية القرآنية: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا»
استُهل المؤتمر بآي من الذكر الحكيم، وبترحيب من صاحب الدعوة رئيس «المؤتمر الشعبي اللبناني» كمال شاتيلا الذيأشار الى أن المؤتمر جاء استجابة لـ«نداءات أحرار المسلمين في لبنان، تحصيناً للوحدة من الانقسام»، مؤكداً أن كل محاولات إشعال الفتنة «فشلت وستفشل» لأن «القاعدة الإسلامية العامة واعية، والقيادات المعنية قادرة على امتصاص الإشكالات وضبط الأفعال المسيئة وردود الأفعال».
بدوره، أكد رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أن بث الفرقة والانقسام وإثارة الفتن من «أبرز الأساليب التي استخدمها أعداؤنا لإضعاف جبهتنا وتمزيق وحدتنا»، وأن اليد الأميركية تقف «وراء ما تتعرض له المقاومة من استهداف صهيوني أو طعن خلفي». وإذ أشار رعد الى أن المعارضة «تتحرك ضد سياسات خاطئة»، أكد أن أي تصوير للخلاف السياسي القائم بين المعارضة والسلطة على أنه خلاف مذهبي أو طائفي «مجاف للحقيقة، ووقوع في فخ الأميركيين وحلفائهم الإسرائيليين الذين يريدون دفع الخلاف الى التخريب»، ملخّصاً مطالب المعارضة بـ«التزام نصوص الدستور وبنود ميثاق الوفاق الوطني اللبناني».
وحذّر رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» الوزير السابق طلال أرسلان من أن مخطط «الفوضى الخلاقة» يقضي بـ«إشعال فتنة سنية ـــ شيعية في لبنان»، وفق معادلة «تحريك العصبيات المذهبية وتسعيرها، وصولاً الى التفجير»، لافتاً الى أن أي خطاب أو تصرف أو سلوك يصبّ في اتجاه تحريك العصبيات «يمثّل إسهاماً في الفتنة التي هي عمل منكر دينياً وفعل خيانة وطنياً»، ومشيراً الى أن «المجموعة المنتحلة للصفة الحكومية تحاول يومياً إشعال الفتنة». وأكد أن المعارضة تعمل على تطويق هذه المحاولات، وهي «مثابرة على درب الصمود والإنقاذ والتحرير».
وتحت عنوان «الطائفية والفساد»، أكدت كلمة الرئيس سليم الحص، التي ألقاها بالإنابة عنه ممثله أمير حموي، أن الطائفية «نقيض كثير من القيم الاجتماعية والحضارية والإنسانية، وهي ظاهرة تخلّف في أي مجتمع»، وأن المذهبية هي «سبيل الدولة العظمى لإشاعة الفوضى في الشرق الأوسط». واتهم «بعض قادة الرأي» في لبنان بـ«تغذية حالة انفعالات فئوية جامحة، بدفع من الخارج»، خاتماً: «إننا من دعاة المذهبية والطائفية براء، فنحن من دعاة تنمية مفهوم المواطنة وروحيتها. وشتان بين الدين والطائفية».
وباسم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ألقى المفتي الشيخ أحمد قبلان كلمة، انتقد فيها عناوين وشعارات المؤتمرات والاجتماعات والمناسبات، ولا سيما منها ما له علاقة بالوحدة بين المسلمين، معتبراً أنها «أصبحت فارغة من كل مضمون»، حيث إن «الإسلام شيء، والمسلمين شيء آخر».
وتضمنت كلمة الرئيس عمر كرامي، التي ألقاها ممثله خلدون الشريف، أربعة عناوين: الفتنة، المشاركة، المحكمة الدولية، ومؤتمر «باريس 3». فأكد أنه «ليس هناك من فتنة تدجّن وتستعمل غبّ الطلب، وليس بالإمكان تحييد أي طائفة أو مجموعة أو ساحة منها، ولن ينأى من لهيبها لا أقلية ولا أكثرية». ورأى أن الاستئثار بالحكم واستبعاد المعارضة عن الإدارة «بات أمراً مقصوداً». وأشار الى ضرورة إنشاء المحكمة الدولية وفق نظام يفصّل على نحو «يخدم العدالة، ولا يكتنفه غموض أو عناوين فضفاضة، ولا يتحول الى أداة ابتزاز». وفي عنوان «باريس 3»، تساءل كرامي: «هل يؤتمن الفريق الذي أوصل لبنان الى مديونية تتجاوز 42 مليار دولار، والحبل على الجرار، على أموال جديدة؟»، لافتاً الى أن «السيناريو يعاد بذاته، والتجربة بالخصخصة لا تزال طعمتها تحت أضراسنا».
من جهته، أشار الداعية فتحي يكن الى أن «السنيّة والشيعية ليستا صفتين توضعان على بطاقة الهوية، بل هما التزام بشرع الله»، والفتنة بينهما «سلاح أميركي»، مؤكداً أن مشروع المقاومة هو «فوق المذهبية».
وأكد القاضي الشيخ أحمد الزين ضرورة أن يكون المؤتمر «حركة لنشر أهدافه في كل المنطقة»، على أن ينطلق باتجاه المعارضة والسلطة، داعياً الى مواجهة المؤامرة من خلال المشروع التوحيدي. ودعا الشيخ عبد الأمير شمس الدين الى التآخي والى ضرورة أن تكون المؤسسات «وطنية في خدمة جميع اللبنانيين».
وفي الختام، أذاع شاتيلا مشروع وثيقة الثوابت الإسلامية والوطنية الصادرة عن المؤتمر، وفيها:
أولاً: المسلمون في لبنان والوطن العربي، وعلى امتداد العالم الإسلامي، أبناء دين واحد، ومهماتهم هي: الدفاع عن العقيدة والوجود والهوية، حماية الوحدة الوطنية، والتمسك بكل ما يوحّد ونبذ كل ما يفرّق.
ثانياً: الصهيوني هو عدو المسلمين، يستهدف وجودهم وهويتهم وأرضهم، ما يستدعي «وحدة الصف والكلمة، في أطر وآليات تغلّب روح الأخوة على عقلية العداء وتتجنب الانجرار الى ما يستهدفه أعداء الأمة».
ثالثاً: مسلمو لبنان هم ركيزة وحدة لبنان الوطنية والكيانية، وقدرتهم على أداء هذا الدور التوحيدي «مرهونة بوحدة كلمتهم القائمة على التزام الثوابت الوطنية»، مع رفض «سيادة أي مذهب أو طائفة أو فئة على الآخرين».
رابعاً: التزام تحصين الساحة الإسلامية من كل المؤثرات السلبية الخارجية التي تمسّ وحدة المسلمين اللبنانيين، بعيداً عن منطق العصبيات الفئوية وصراعاتها.
خامساً: الحرص على إبراز الوجه الحضاري للإسلام، جوهراً ومسلكاً، بالتمسك بجوهر الدين من دون إفراط أو تفريط، وإدانة مناهج التكفير العشوائي والغلو والتعصب الأعمى والتطرف، مع تأكيد نهج الوسطية والاعتدال.
سادساً: مناشدة العلماء السنّة والشيعة «أن يشرعوا في التصدي لواقع دخول الوضع المذهبي خطوط المحرمات الكبرى»، قولاً وممارسة.
سابعاً: دعوة علماء الدين وخطباء المساجد والقوى السياسية والفاعليات المجتمعية الى مواجهة دعاة الفتنة والانقسام والتمزق، ونبذ أي شعار يستهدف إيذاء أي فئة.
ثامناً: الدعوة الى تأليف «لجنة تقريب بين المذاهب الإسلامية في لبنان»، على أن تتفاعل وتتكامل مع اللجان المماثلة في الأقطار العربية والإسلامية.
تجدر الإشارة الى أن المؤتمر تسلم برقيات تأييد من كل من: رئيس هيئة العلماء المسلمين في العراق الشيخ حارث الضاري، الأمين العام للمؤتمر التأسيسي العراقي الشيخ جواد الخالصي، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ عبد الرحمن شيبان، رئيس منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين في الرباط طه عبد الرحمن، والمدير العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة في القاهرة توفيق الشريف.