استهداف بري...!
  • عباس المعلم ـــ إعلامي

    إن أكثر ما يهدد إطاحة الدولة والمؤسسات الدستورية واتفاق الطائف، حماقة قد يرتكبها الفريق الحاكم المصاب بالجنوح المزمن، إذا دعا إلى عقد جلسة للمجلس النيابي برئاسة «نائب الرئيس». فعلى الرغم من أن حكومة الرئيس السنيورة فاقدة للشرعية وغير دستورية، إلا أن قوى المعارضة ورغم أنها تحظى بتأييد أكثرية الشعب اللبناني نجدها تطالب فقط بتأليف حكومة وحدة وطنية أو إسقاط الحكومة، ولا تسعى الى ضرب صلاحيات رئيس الحكومة أو المس بها، بل أقصى ما يمكن أن تطالب به هو تغيير شخص رئيس الحكومة، وهذا حق كفله الدستور، ولا يحق لها مهما كان حجمها أو لونها أن تتجاوز صلاحيات رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية، وربما حال الفريق الحاكم اليوم بفعل إفلاسه السياسي والشعبي وارتهانه للوصاية الأميركية قد أفقدته صوابه وجعلته يسير بخطى سريعة نحو المجهول وارتكاب المزيد من الحماقات أخطرها استخدامه للهرطقة الدستورية.
    وفي ما خص الشق الدستوري بشأن رئاسة المجلس النيابي، فهو أمر واضح لا يحتاج إلى تأويل أو اجتهاد، فيمكن للمجلس أن ينعقد في مكان خارج مقره وخارج العاصمة من حيث المبدأ، رغم أن المادة 36 تنص على أن العاصمة هي مركز الحكومة ومجلس النواب، لكن إذا كانت هناك ظروف استثنائية ضاغطة تحول دون العمل بالمادة 36، حينها يتم عقد جلسة خارج العاصمة، وهذه الظروف غير متوافرة اليوم. أما في ما يتعلق «بنائب الرئيس» فقد أجاز النظام الداخلي للمجلس النيابي في المادة السادسة أن يتولى نائب الرئيس صلاحيات الرئيس ضمن شرطين، في حال غياب الرئيس أو تعذر قيام الرئيس بمهامه، واللافت أن الدستور اللبناني لم يأت على ذكر نائب الرئيس إلا في المادة المختصة بانتخاب هيئة مكتب المجلس. ووفق الدستور أيضاً، فإن نائب الرئيس ينوب عن الرئيس ولا يملك صلاحياته أساساً، وكل الاجتهادات من قبل فريق السلطة تعتمد على فقرة «تعذر الرئيس قيامه بمهامه» وهذا غير وارد لأن رئيس المجلس يقوم بمهامه وفق احترام الدستور، ما يعني أنه حتى هذه الفقرة باطلة، وخصوصاً أن قيام نائب الرئيس بمهام الرئيس يحتاج بشكل رئيسي إلى موافقة الرئيس لأن الدستور لا يشير بأي بند من بنوده الى انتقال صلاحيات الرئيس إلى نائبه.
    لذلك، فإن أي تجاوز للدستور في موضوع صلاحيات نائب الرئيس سيكون انقلاباً صارخاً على الدستور وعلى الطائف، بل سينسف كل مقومات المؤسسات الدستورية والتشريعية، ويدخل في سياق تدمير شامل للدولة ومؤسساتها، لأن موقع رئاسة المجلس هو موقع توافقي، وصلاحيته لا تبدل ولا تنقل لأي جهة، كما هي حال رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية أيضاً، والأهم في هذا الشأن هو شخص وموقع رئيس المجلس، فهو يعدّ زعيماً سياسياً يحظى بشعبية كبيرة تميزه عن الرؤساء الآخرين، كما انه قائد مقاومة ورئيس حزب سياسي يعد من المكونات الأساسية في المعادلة السياسية اللبنانية. أيضاً يعتبر الرئيس بري رئيس الحوار، وهو الجهة الوحيدة القادرة على إرساء الحوار بين الأفرقاء السياسيين باعتراف كل القادة السياسيين في لبنان والدول العربية وعواصم القرار، وحتى الأمم المتحدة تشهد له بذلك. وربما أكثر الناس معرفة بحجم وقدرة الرئيس بري في المعادلة اللبنانية هو الفريق الحاكم، لأن رئيس المجلس هو من أجرى الانتخابات النيابية في موعدها، وكان قادراً على تأجيلها، كما إنه مرر قانون الانتخاب الذي يتناسب مع تحالفات الفريق الحاكم، وهو من أنقذ حكومة الرئيس السنيورة مراراً من النكسات التي تعرضت لها بفعل إخفاقاتها السياسية المتلاحقة، وهو من مرّر قانون المجلس الدستوري والطائفة الدرزية، كي لا تشعر الأكثرية بأنها مقيدة، والجميع يذكر أن تمرير هذا القانون شكل إحراجاً للرئيس بري مع حلفائه، لكنه تحامل على هذا الإحراج إيماناً منه بأنه رئيس تشريعي لكل لبنان وما زال حتى اليوم يتصرف بهذه العقلية الحكيمة.
    وعليه، فإن قفز الفريق الحاكم عن الثوابت الوطنية والتلاعب بالدستور وبالمؤسسات الدستورية، وخاصة في ما يتعلق باستهداف الرئيس نبيه بري، سيكون بمثابة فتح باب الجحيم على البلاد، وخصوصاً أن الحرب الأهلية بكل قسوتها وعنفها لم تستطع تهميش الرئيس بري ولا حتى النظام الأمني في حقبة الوصاية استطاع فعل ذلك، لأن أي نوع من أنواع التهميش أو الاستهداف من شأنه أن يطال الرئيس بري ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، ولن يعود هناك أي خطوط حمراء، وكل شيء يصبح مباحاً. وهذا سيدخل البلاد في بركان فوضى لا يستطيع أحد تحمل عواقب تداعياتها. والسبب أن نبيه بري يعد صمام أمان وحدة لبنان وسلامته وسلمه الأهلي، وهو قائد مقاومة عسكرية وسياسية بوجه العدو الصهيوني. ومن المؤكد أيضاً أن الخاسر الأكبر من إدخال البلاد في فوضى هو من يفتح باب الفوضى، وما على الرسول إلا البلاغ....