هل يجرؤ العلمانيون
  • مصلح مصلح - عضو الأمانة العامّة لمؤتمر العلمانيين في لبنان

    اذا كانت الشعوب ترضى بالأنظمة والإيديوليجيات السائدة ظناً منها أنها تيسّر امرها وبالتالي تدير شؤونها وعلاقاتها الاجتماعية، وتكوّن منظومة اخلاقية ترعاها طيلة حقبة تاريخية معينة، فإنها تتحول في مرحلة تاريخية لاحقة الى عبء عليها تبعاً للحراك الاجتماعي وتصاعده، فتلجأ الى اعادة النظر بالأنظمة والقوانين الاجتماعية السائدة وبالتالي في اخلاقية المرحلة. وتسعى الى استبدالها ثم إيجاد افكار وإيديولوجيات مواكبة ومعاصرة في آن معاً وفقاً لحركة المجتمع وتطلعاته. إن نماذج عديدة توافرت لدينا في القرن العشرين وأدّت الى اعادة النظر بكامل القوانين والانظمة المرعية الاجراء، وكانت قد سبقتها متغيرات جذرية في القرن التاسع عشر وتحديداً في فرنسا حيث تمردت القوى الاجتماعية على سلطة رجال الدين ومحاكم التفتيش وأعلنت قيام نظام ومفاهيم مغايرة لتلك القائمة آنذاك، حيث ارست اسس النظام العلماني الحديث وفُصل بموجبه الدين عن لدولة وأصبحت الحرية والديموقراطية متاحتين للجميع وسمح بالتعبير عن الرأي للافراد والجماعات علي السواء. اما نحن العرب عموماً واللبنانيين خصوصاً، فنجد انفسنا امام حركة اجتماعية بطيئة في بُعدها العلماني وتطلعاتها العلمية المعاصرة، وهي محاصرة من قوى مذهبية طائفية تتناحر فيما بينها بشكل دوري وتعود لإنتاج المنتج فتتغير بالشكل وتبقى في المضمون أداة مستمرة وعقلية جاهزة للتدخل في كل مرحلة حفـــاظاً على السائــــد واخلاقية المرحلة.
    ازاء كل ذلك يطرح السؤال بقوة في هذا الزمن الطائفي الرديء: ماذا جنى اللبنانيون من الحروب المتنقلة في ساحاتهم بدءاً من حرب السنتين بقيادة الحركة الوطنية اللبنانية عام 1975، التي مثّلت تطلعاً مهماً عند اللبنانيين فطرحت العلمنة وقانون انتخاب قائماً على النسبية لكنها ما لبثت أن وئدت من جانب النظام السوري وقيادة احزاب المرحلة الانتهازية وقوات الردع الرجعية العربية التي اعادت التشكيلات الطائفية الى الواجهة، وبأخلاق المرحلة، الى ما كانت عليه وقضت على احلام اللبنانيين وفرصتهم الوحيدة في اعادة النظر بنظامهم الاقطاعي والطائفي على السواء. اما حرب الايام الثلاثة والثلاثين الاخيرة، والتي دارت بين حزب الله كمقاومة دينية لبنانية والدولة الصهيونية الاسرائيلية، والتي تكبّد لبنان خلالها خراباً ودماراً قلّ نظيرهما، اضف الى ذلك الخسارة الاقتصادية والبشرية التي فاقت قدرة اللبنانيين على تحملها بقدراتهم القطرية، من دون أن ننسى البطولة والجرأة التي بذلها هؤلاء المقاتلون في ساحة القتال والذين تحولوا فيما بعد الى نموذج تحتذي به كل مقاومة وطنية او قومية لاحقة، وبالتالي كشفت هزال الانظمة العربية الرجعية وهشاشة جيوشها، وكل الحروب الكلاسيكية التسووية للانظمة المذكورة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ماذا بعد هذا الانتصار؟ هل تستطيع المقاومة الاسلامية أن تعبر بإيديولوجيتها المذهبية الطوائف الاخرى؟ وهل تستطيع أن تخرق الاقطار العربية المختلفة قومياً؟ وأخيراً هل تستطيع ان تكون حلاًّ مؤسساتياً تقوم بموجبه دولة مدنية علمانية؟
    ان الانتصار الذي حققه المقاومون الابطال في جنوب لبنان، وتحديداً في قراه ومدنه الامامية، ان لم يخرج من شرنقته الحاضنة للفئوية والمذهبية والدينية والطائفية الى رحاب الوطنية والقومية والعلمانية، والمدى الاوسع لكل المقهورين والمضطهدين، سيصاب بالشلل والاعاقة وصولاً الى المحو من الذاكرة.
    وينظر العلمانيون بجدية الى بطولات شعبنا ومآسيهم ويشاركون فيها تبعاً لإمكاناتهم المتواضعة، وتحاول الامانة العامة للعلمانيين في لبنان اعادة استنهاض رؤاها وجمع نضـــــالات شعبنا وقواه الزاخرة بالحيوية والعطاء، وتطرحها مادة اساسيـــــــة للنقاش بين اللبنانيين على قواعد وطنية تقدمية علمانية تصبح فيها المقــــــــــاومة لبـــــنانية وعربية وقومية. ويقف جميع اللبنانيين على مسافة واحــــــدة إزاء الدولة بعد فصل الدين عنها، وتصبح القوانين والانظمة والتشريعات ملك كل اللبنانيين ايضاً، بما فيها الزواج المدني الاختياري وقانون انتخابي عصري علماني قائم على النسبية.
    ان النضالات والاستشهادات التي قدمها الشعب اللبناني بسخاء ازاء الصراع الداخلي، وضد العدو الصهيوني، حري بالامانة العامة للعلمانيين أن تحضنها وتقدمها لكل اللبنانيين شعارات ومواد نضالية عصرية قائمة على اسس وطنية تقدمية علمانية، فهل نستعد لهذا المخاض؟ وهل يجرؤ العلمانيون؟