رشا أبو زكي
كرّ وفرّ، واشتباكات متنقلة بين الأزقة، وملثمون يرهبون أهالي المنطقة... هذه المشاهد سيطرت على محلّتي الطريق الجديدة وكورنيش المزرعة أمس. فيلم بدأ بحرق أنصار من حركة الشعب إطارات أمام جامع عبد الناصر، وانتهى بالأغاني والأناشيد وحرب الصور والشعارات. وما بين الإطار والأغنية لقطات عنفية بين محور بربور يرأسه أنصار حركة أمل، ومحور عفيف الطيبي التابع لتيار المستقبل. الأسلحة التي استخدمت متعددة، ووسائل استخدامها كذلك، من تراشق الحجارة المتبادل الذي بدأ أرض ــ أرض، وانتقل إلى جو ــ أرض، إذ تطايرت الحجارة من المباني لتصيب أي «عدو» محتمل على الرصيف ــ المحور المقابل. الجرحى من الطرفين سقطوا بالعشرات... المستشفيات التابعة للشخصيات التي دفعت الشباب إلى الشارع، تكفلت بالاستشفاء المجاني!
المشهد الاولعند الساعة السادسة صباحاً، وصل إلى جامع عبد الناصر في كورنيش المزرعة 15 شاباً وفتاة، أحرقوا إطارات وشكلوا حاجزاً بشرياً. عند الساعة الثامنة نزل عدد قليل من شباب طريق كورنيش المزرعة إلى الشارع وتوجهوا إلى المعتصمين، بدأ التلاسن بين الطرفين يتطور، تدخل الجيش وأبعدهم: المضربون من جهة بربور، والمعتصمون ضد الإضراب من جهة عفيف الطيبي. بعد نصف ساعة وخمس دقائق، وصل شباب حركة أمل من مراكزهم الكائنة في منطقتي النويري وبربور لدعم المضربين، واتصل شباب تيار المستقبل بأنصارهم في الأحياء القريبة. المعارك انطلقت...
المشهد الثاني
شرارة المعركة الاولى بدأت بين أحد أزقة بربور من جهة محمصة الرفاعي وشارع الطمليس وانتهت سريعاً. السبب مناورة قام بها شباب بربور عبر الدخول إلى شارع عفيف الطيبي من جهة الكولا، فنزل شباب المنطقة إلى أرض المواجهة، وتسلحوا بالعصي الحديدية والخشبية، ليواجهوا العصي المشابهة لدى الطرف الآخر. فشل الاقتحام وارتفعت الأهازيج «الله، حريري، طريق الجديدة» ... عاد أنصار حركة أمل إلى «منطقتهم» قرب محمصة الحلبي، وتجمع شباب المستقبل في شارع قريب من شركة «فيركو»، الحجارة بدأت تنهمر على رؤوس مناضلي الجبهتين، وبدأ عدد الجرحى يرتفع.
الساعة العاشرة والنصف كانت أول طلقة رصاص في الهواء من الجيش، هدأت المعركة. خمس دقائق عادت بعدها الشعارات الحماسية «الله نصر الله والضاحية كلها» مقابل «الله حريري طريق الجديدة» كانت كفيلة بعودة الاشتباكات... شاب يقف وسط ساحة المعركة ويقول: «إننا أبناء منطقة واحدة»، حجر يسقط على مقربة منه كان كافياً ليعود إلى فريق المستقبل. الساعة العاشرة و55 دقيقة وصلت أعداد كبيرة من الجيش اللبناني، ليصبح العدد أكثر من 1500 جندي. هدوء...
المشهد الثالث
منتصف النهار، اتخذت المواجهة شكلاً جديداً، فقد اعتلى شباب الموالاة الأبنية فوق محطة الحلبي وبدأوا برمي الجبهة «العدو» بالحجارة، ازدادت الطلقات النارية في الهواء من الجيش اللبناني، ولكن «حفلة الجنون» لم تنته. يقرر الجيش التحرك، يقبض على بعض المشاغبين فتطاله الحجارة. ثم تأتي أعداد قليلة من قوى الأمن الداخلي ولا تتدخل. تكبل الملالات المشاغبين في الشوارع..
المشهد الأخير، يرتفع صوت الدف والطبلة... ويبدأ سيل الشتائم ليطال جميع السياسيين. من حيث لا ندري تأتي صورة كبيرة لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة والرئيس رفيق الحريري، وفي المقابل صورة ضخمة للسيد حسن نصر الله والسيد موسى الصدر. «سوريا، بشار، دم الشيعة بيغلي غلي»... «حريري جنبلاط سعودية». اختلطت الأوراق، وشوهت شوارع المنطقة دماء طائفية وحجارة غيّرت ملامح الأرصفة...