جورج شاهين
لم تبدل ما حملته الأيام الستة التي أعقبت «الثلاثاء الأسود» من مواقف وتصريحات من موجة القلق التي سادت الأوساط المسيحية مما ستكون عليه العلاقات المسيحية ــ المسيحية في المستقبل القريب، والتي زادت من حدتها أجواء التشنج التي اكتسحت الساحات المذهبية اللبنانية الأخرى بعد أحداث «الخميس الأكثر سواداً» التي عززت الفرز الطائفي في موازاة الانقسام السياسي بين الموالاة والمعارضة على مساحة الوطن.
وتعترف أوساط مطلعة على خلفيات ما جرى، بأن غياب الحوار السياسي ينبئ بمزيد مما حصل، وينذر بإمكان تجدده في أي من المناطق الموضوعة على لائحة المناطق الحساسة، وفي أي لحظة يختارها أي من الطرفين أو يُستدرج إليها. لذلك تستعجل بعض الأطراف على الساحتين المسيحية والإسلامية الدعوة إلى الحوار، وتبحث عن الجهات التي يمكنها أن تعمل على اعادته، وإطلاق المبادرات التي تسمح بالبحث عما هو متوافر من مخارج للمأزق الحاصل مهما كانت قليلة.
على هذه الخلفية ظهرت على الساحة المسيحية بوادر حركة سياسية تعمل تحت هذا العنوان، ومنها التحرك الذي قادته الرابطات المسيحية بعد زيارة لوفد من رؤسائها إلى الصرح البطريركي في بكركي ومنه إلى سن الفيل للقاء الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل الذي ما زال يستقطب مروحة واسعة من الاتصالات واللقاءات من مختلف الاطراف.
وقد تمنى الوفد على الجميّل العمل لإصلاح ذات البين بين القيادات المسيحية في مرحلة أولى، على أن يكون ذلك، في حال نجاحه، مدخلاً إلى العمل على مستوى الصف الوطني، ذلك أن أي تفاهم مسيحيــ مسيحي يمكن أن ينعكس على علاقات الفريقين إذا صح أن للمسيحيين، في الجانبين الموالي والمعارض، رأياً فاعلاً في الموقعين، وأنهم ليسوا في موقع التبعية للقيادات الأخرى.
وتمنى الوفد على الجميل أن يبادر بالدعوة إلى لقاء مسيحي ــ مسيحي للبحث في ما آل إليه الوضع، وترتيب نوع من التفاهم الذي ينظم العلاقات بين المسيحيين، فلا يتكرر مشهد الثلاثاء الماضي. ونقل الوفد عن البطريرك صفير مباركته أي تحرك من هذا النوع.
لكن الرئيس الجميل كان صريحاً مع الوفد، وأبلغه انه شدد على الكتائبيين تجنب أي عمل قد يمثّل استفزازاً على الساحة المسيحية، وشدد على تحريم استخدام السلاح تحت أي ظرف، ورفض أية محاولة لاستدراج الكتائبيين إلى أي إشكال لا يريدونه ومراجعة «فريق الأزمة» الذي شكله المكتب السياسي الكتائبي يوم الاثنين الذي سبق الإضراب، أو به شخصياً حيث عمل طيلة نهار الثلاثاء في معالجة الإشكالات التي رافقت قطع الطرق وأعمال الشغب التي طاولت كتائبيين في مناطق عدة من جبيل وكسروان والبترون والمتن، بالتنسيق مع أهالي المنطقة والقوى الأمنية وقياداتها.
وأشار الجميل إلى صعوبة المهمة التي يطالب بها الوفد في ضوء التجارب السابقة التي عاشها البطريرك صفير في حالات سابقة مماثلة ومصير المبادرات التي قام بها، وقال انه لن يوفر جهداً في هذا الاتجاه، لكن الأمر لا يقف عند حدود النيات التي لديه، إنما من البديهي أن يقوم الوفد بجولة جس نبض على القيادات المسيحية قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة، «وأنا مستعد للدعوة إلى أي لقاء إذا كانت الأجواء مؤاتية لمثل هذه المبادرة، وإلا فإن القيام بمثلها، من دون ضمان الحد الأدنى من التجاوب، قد تكون له انعكاسات كارثية تقود إلى ما هو أسوأ مما هو قائم من تشنج على الساحتين المسيحية والوطنية».
في هذه الأجواء أعربت مصادر واسعة الاطلاع عن قناعتها بأن الأمور دخلت «مرحلة المراوحة بعدما بلغ المأزق ذروته، بدليل انه رغم كل ما حصل الخميس الماضي والثلاثاء الذي سبقه، فإن البحث في الأوساط السياسية والحكومية عاد إلى النقطة الصفر التي انطلقت منها مبادرة الجامعة العربية، وكذلك مسعى موفد الرئيس السوداني رئيس القمة العربية، وأن الأمور باتت في اتجاهين لا ثالث لهما: إما الدخول في هدنة يفرضها توازن الرعب بين الطرفين، أو الاستعداد لجولات جديدة من الإشكالات المحتملة تخرق الهدنة بين لحظة وأخرى، قد يتسبب بها إشكال بين صبيين، أو حادث سير بين موال ومعارض، كما هو حاصل منذ ليل الخميس ــ الجمعة الماضي بعد فرض الجيش نظام منع التجول لضبط الوضع، وكل ذلك بات مرهوناً بالحلول التي تطبخ خارج لبنان، والتي على ما يبدو لم تنضج بعد، ولم يرصد احد بعد أي بصيص نور يدل اليها».