strong> غسان سعود وأمال ناصر
كانت بيروت امس، «عاصمة العروبة وقلب لبنان»، كما سماها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، على موعد مع حشود المتظاهرين الوافدين من مناطق مختلفة وأطياف سياسية متنوعة

عند العاشرة صباحاً كان الحضور مقتصراً على عدد قليل من المناصرين. ثم بدأت الحشود بالتوافد. أبناء الضاحية كانوا أول الواصلين. كانت أعدادهم بالآلاف، شعاراتهم جديدة هذه المرة، عنوانها «أصفر أخضر ليموني بدنا نسقط الحكومة». وكل التفاصيل جديدة: «ما بدنا يعطونا الثلثين، يعطونا أفا ظهورهم»، «فلتسقط حكومة فيلتمان».
قرابة الثانية ظهراً كانت ساحتا رياض الصلح والشهداء قد امتلأتا بالكامل، وبات السير فيهما شبه مستحيل، وتوقفت قدرة الجمهور على الوصول أبعد من ساحة بشارة الخوري شمالاً ومرفأ بيروت جنوباً. ورغم التأكيدات أن كل المنافذ إلى بيروت مقفلة والزحمة وصلت حتى ميدان سباق الخيل ومستديرتي الصياد والدورة، فإن الكل كان مشغولاً بحجم مشاركة التيار الوطني الحر، وعدد المسيحيينتقترب الساعة من الثالثة، الموعد الرسمي للقاء المعارضة، تزداد الجموع حماسة. وتبتدع كل مجموعة «ردة» على ذوقها. هنا «لح نبقى هون مهما العالم قالوا، راعبهم عون وبيخافوا من خيالو»، و«يا سنيورة نزال نزال هيدي الكرسي بدها رجال» وطبعاً «كما النصر.. التغيرر آتٍ آتٍ آتٍ». وهنا «لا إله إلا الله عون وبري ونصر الله»، «يا سنيورة طل وبص.. ما بيشيلك إلا الحص». في مكان ثالث شباب وصبايا يدبكون حول عدد من الطبول التي كانت موزعة بالعشرات ويرقصون مرددين «هالصيصان شو حلوين، عم يدورو حول رايس مبسوطين وراح يفلوا مفقوسين».
تهدأ الحشود لثوانٍ، يغتنم طفل الفرصة فيهتف: «كلنا فدى السيد حسن» وترد الجموع من بعده «لبيك نصر الله.. لبيك نصر الله». تطل مجموعة حاملة «هوياتها اللبنانية» ويخبرون كل من ينظر إليهم أنهم «لبنانيون مئة في المئة». من بعيد تبدو الصورة برتقالية مطعمة بالأصفر، وفي التفاصيل، مُنعت الأعلام الحزبية فحضرت الفولارات، ومعظم هذه الموجودة في السوق، برتقالية. لافتات كثيرة وزعت في الساحتين وعلى أطرافها، هنا «لأننا نحب الحياة، نريد حكومة نظيفة» وهنا «العذراء تحميك يا سيّد وزهراء تحميك يا جنرال» وهنا رجل يلقب بالياباني يرفع لافتة تقول: «مش رح نغيّر مسلتنا تنسقط علتنا».
يحيي خطيب المهرجان الجيش اللبناني، يرد الجمهور بحماسة، يتناوب عدد من الشبان على إطلاق الشعارات. دموع السنيورة هدف مميز لاستهداف الجماهير، وحصة الوزير أحمد فتفت محفوظة «يا فتفت يا قبضاي واحد قهوة اثنين شاي» وغيرها من الهتافات التي نبذت الطائفية «ما بدنا طائفية حزب وحركة وعونية».
يعلو صوت الموسيقى، أبو مصطفى، الرئيس نبيه بري له الحصة الأكبر من الأغاني، و«الأمليون» بدوا أمس مقارنة مع بقية التظاهرات أكثر انضباطاً مع المجموعات الأخرى. خطابات العماد عون والرئيس بري والسيّد نصر الله تداخلت مع الموسيقى. عبارات عزيزة على قلوب مؤيدي المعارضة صارت أغاني، هنا «هيّا على التغيير، هيّا على الإصلاح، هيّا على التحرير»، وهنا «كما عاهدتكم بالنصر دائماً، أعاهدكم بالنصر مجدداً». يهدأ المعتصمون ثواني، لكن صوت السيد نصر الله يطرق مسامعهم من جديد، فيشتعلون حماسة، يندفعون نحو مكبرات الصوت، وكأن السيد يقف خلفهاجورج حداد، ابن الحدث، العوني المتهم من قبل البعض بتطرفه المسيحي يصل إلى المذياع، «نحن، حزب الله والتيار، أهل تاريخ مشرف لا عمالة فيه ولا عمولة». ثم يسأل بغضب: «كيف نعود قبل مغادرة هذا العميل؟» وترد الحشود من بعده: السنيورة عميل، السنيورة عميل.
الساعة الثالثة والنصف، موعد المعتصمين مع كلمة المعارضة التي ألقاها العماد عون، انجذبت الجماهير بقوة لسماعه، وكلما اقترب في كلامه على الحكومة، ازدادت الحماسة رغم تذمر البعض من اختياره الفصحى وهدوء الخطاب، متمنين لو كان أكثر نارية. ينهي عون كلمته، يتأكد قياديو التيار من رد الفعل الجماهيري. تصل الأنباء عن أعداد المشاركين، يتغير الشعار الرئيسي، يصبح «أصفر أخضر ليموني ليكوا الحشد المليوني»، ولاحقاً بعد أن غابت الشمس «أصفر أخضر ليموني، بدنا نسقط لحكومة، به الحشد المليوني».
التظاهرة رافقتها اجراءات أمنية مشددة فرضها الجيش وقوى الأمن وآلاف من عناصر الانضباط. وفي اطار اكمال تحركها لاسقاط الحكومة، قطعت قوى المعارضة ليل أمس كل الطرقات المؤدية الى السرايا ونصبت خيماً حيث سيبيت المتظاهرون. لكن الاتصالات السياسية أثمرت توافقاً يحرر بعض الطرق المؤدية الى السرايا ويبقي على فاعلية الاعتصام.
تغيب الشمس، ولا تغيب الهتافات، الآلاف يخلون الساحات، والمساحات كانت لا تزال ملأى بالناس، ولا يقتنع البعض بالمغادرة إلا بعد طمأنتهم الى أن خيماً عدة نصبت على معظم الطرقات المؤدية للسرايا في انتظار تظاهرة ثانية في موعد قريب جداً.
الى ذلك توجهت لجنة المتابعة في «الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية» في بيان إلى «جميع أبناء شعبنا في كل المناطق من أجل رفع الأعلام اللبنانية فوق المنازل وعلى الشرفات تأكيداً على وحدة اللبنانيين في تحركهم لتعزيز الوحدة الوطنية ونبذ الفتنة وتحقيق التغيير المنشود في إنقاذ لبنان من حالة الاضطراب والأزمات والخضوع للوصاية والأجنبية، الذي لا يتم إلا من خلال إزاحة الفريق المهيمن على السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم الخيارات والمسلمات الوطنية».