strong>رزان يحيى ــ كارل كوسا
ختم في الثالث من كانون الأول من هذه السنة 25 عاماً على إطلاق البرنامج العالمي لحقوق الأشخاص المعوقين. واحتفل العالم باليوم العالمي للإعاقة، باتفاق جديد يؤكد الالتزام بالمعايير التي يجب مراعاتها لصون حقوق الأشخاص المعوقين، وبتكريس الدمج الاجتماعي لهم. وفي لبنان، لا يزال الأشخاص المعوقون يناضلون لتطبيق القوانين التي تضمن لهم أبسط الحقوق

يتّخذ اليوم العالمي للإعاقة في لبنان بعداً آخر. فهو يوم إضافي للنضال من أجل تطبيق القانون الذي يضمن أبسط الحقوق البديهية للأشخاص المعوقين، القانون “المنسي” في أدراج الرسميين منذ عام 2000. فقد شكلت الإعاقة حتى الأمس القريب البعد المنسي من حقوق الإنسان، بعداً غير معترف به بكونه حقاً من حقوق المساواة. تقسيم. فرز اجتماعي. هضم حقوق من الجمعيات التي تدعي المناداة بحقوق الأشخاص المعوقين، وصولاً إلى المجتمع والدولة...
نماذج التعاطي
يمكن حصر مفهوم الإعاقة وسبل التعاطي مع هذا الموضوع في نماذج ثلاثة: النموذج الطبي، إذ تشكّل طرق العلاج المستخدمة إحدى أهم المشكلات التي يعانيها الأشخاص المعوقون. فغالباً ما يُكتفى بتشخيص المشكلة واعتبار العلاج الجسدي، إن وجد، الطريقة الوحيدة للدمج الاجتماعي. ثم يأتي النموذج الاجتماعي الخيري، وهيالطريقة التي تعتبر الشخص المعوّق غير منتج فكرياً أو عملياً، فيتم التواصل معه من منطلق الشفقة والمداراة. ويبرز في هذا الإطار الجمعيات الخيرية التي تكتفي بتقديم المساعدات المادية إلى الأشخاص المعوقين من دون خلق فرص انتاجية تسهل اندماجهم في المجتمع. ويأتي تعامل الدولة مع موضوع الاعاقة كمشكلة أساسية تسلب الأشخاص المعوقين فرص الحصول على حقوقهم البديهية، مثل الحواجز التي تواجه الشخص المعوق في الكثير من الأماكن: الصعود على الدرج بدل وجود مصعد كهربائي خاص، أو إذلال الشخص المعوق للحصول على كرسي مدولب، إضافة إلى عدم التشدد في التزام المنشآت والمؤسسات والأبنية في تخصيص وسائل خاصة لتسهيل حركة المعوقين... أما النموذج النادر في لبنان فهو الحقوقي الذي ينظر إلى الشخص المعوق بوصفه إنساناً يملك قدرات انتاجية وفكرية يجب اكتشافها وتنميتها لدمج الشخص المعوق اجتماعياً واقتصادياً وتأهيله للولوج في سوق العمل، إضافة إلى توعيته على حقوقه القانونية المنسية ليطالب بها.
نسبة الإعاقة
رأى مؤتمر استوكهولهم أن الإعاقة يجب أن تندرج تحت مؤشرات الفقر في العالم، وتحديداً في البلدان النامية. ورأى أنّ الأشخاص المعوقين هم من أفقر الفقراء. ولفت إلى أنه بين كل ستة فقراء، هناك شخص معوق. ويعود ذلك إلى منع المعوق من العمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ويشير تقرير الأمم المتحدة الى أنّ 10 في المئة من اللبنانيين يعانون من الإعاقة، فيما تنخفض هذه النسبة إلى 1% بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية التي تشير الى أن 83% من الأشخاص المعوقين يعانون البطالة. كما يعاني 50.4% الأمية. ويفيد نحو 6000 شخص معوق من الخدمات التي توفرها وزارة الشؤون، علماً بأن هذه الخدمات تتفاوت من حيث الأهمية. وتجدر الإشارة إلى إصابة 4000 شخص بإعاقة دائمة أو مؤقتة نتيجة حرب تموز، وثلث هؤلاء من الأطفال، إضافة إلى إصابة أكثر من 128 شخصاً بإعاقة من جراء الألغام.
مشكلات المعوقين في لبنان
تتناسى المباني المُنشأة حديثاً في لبنان فئة الأشخاص المعوّقين وذوي الاحتياجات الخاصة، باستثناء بعض المرافق العامّة القليلة كمطار بيروت الدولي. «المعوقون يحبّون الحياة ويستأهلون، بالتالي، عيشها بحدٍّ أدنى من الكرامة»، شعار أطلقه اتّحاد المقعدين اللبنانيين لتوعية المجتمع، وخصوصاً القطاعات الهندسية على ضرورة التنبه وتسهيل حياة المعوق، وخصوصاً في هذه المرحلة الإعمارية التي بدأت بعد حرب تموز. ويرى الاتحاد أن هذه الفترة فرصة تاريخيّة بالنسبة إليه، يحاول استثمارها، علَّ القانون220\2000، يُبصِر النور، عبر تأهيل الطرق والمباني والمرافق، في شكل يتناسب واحتياجاتهم الخاصّة. فتلك المعايير في الهندسة العمرانيّة باتت عالميّة وتُعرَف باسم
الـ «universal system for the buildings»، كما يفيدنا منسِّق برنامج الإغاثة في اتّحاد المقعدين اللبنانيّين محمّد لطفي.
مِن أجل ذلك، يُطالب الاتّحاد بمُشاركة الدولة في إعادة إعمار القُرى المُدمَّرة، عبر أدوار استشاريّة وحقوقيّة وتوجيهيّة. «نحنُ جمعيّة، لا دار هندسة، حتى لا يتخوّفَ أحد من احتمال الربح التجاريّ» يقول لطفي، مؤكِّداً أنّ عملهم خدماتيّ محض. ويشرح أكثر: «هدفنا هو دمج قضايا الإعاقة في برامج التنمية، لكون الأشخاص المعوَّقين يعيشون في مبانٍ غير مجهّزة ولا تُتيح لهم التنقّل مِن مكان إلى آخَر. لطفي يوضح «أقلّه ينبغي تجهيز منازل المعوّقين الذين ازدادت أعدادهم في الحرب الأخيرة».
وقع الاتّحاد مع الحركة الاجتماعيّة اتفاقاً، بعد أن تعهّدت الأخيرة المساهمةَ في إعادة ترميم مدرستَين في صريفا، بشكل يلبي متطلّبات الإعاقة. ويعتقد عماد الدين رائف (عضو في الوحدة الإعلاميّة في اتّحاد المقعدين) أنّه «لو طُبِّق القانون 220، خلال السنوات السبع الماضية، لكانت معاناة الأشخاص المعوّقين أخفّ وطأة أثناء النزوح والعودة خلال الحرب، ولما أُهينت كراماتهم على كل عتبة ازداد ارتفاعها على 3 سنتيمترات». ويقول: «أعداد الأشخاص المعوّقين ارتفعت بعد الحرب في شكل ملحوظ، بسبب انفجار الصواريخ والقنابل العنقوديّة، في حين لا يوجد تجاوب جدّي مِن وزارة الشّؤون الاجتماعيّة، بل استخفاف في مسائل الإعاقة، لكونها تعتبر المعوقين الحلقة الأضعف في المجتمع. لكنَّ الاتّحاد ينوي رفع مُساءلة حكوميّة عبر 10 نوّاب داعمين للقضية، وهو في صدد البحث عنهم. كما يستعدّ الاتحاد لإطلاق حملة «عمِّر للكلّ.. وما تعيق قدراتي»، تهدف إلى شمل احتياجات الأشخاص المعوقين في ورشة إعادة الإعمار.
220\2000
أقر مجلس النواب في العام 2000 القانون 220\2000. وهو يتعلق بحقوق الأشخاص المعوقين، ويحاول عبر مواده إعطاء الأشخاص المعوقين أبسط حقوقهم في الوصول إلى أي مكان يستطيع الشخص الذي لا يعاني أية إعاقة الوصول إليه. رئيسة اتحاد المقعدين في لبنان سيلفانا اللقيس تقول إن الحق بالعمل هو أبرز ما يسعى إليه اتحاد المقعدين، إذ يطالب الدولة بتوظيف 3 في المئة من المعوقين على الأقل في المؤسسات التي يزيد عدد عمالها على 60 شخصاً، على أن تراعي الشروط المتعلقة بالتوظيف الحاجات الخاصة للأشخاص المعوقين، علماً بأن القانون أعطى حافزاً لرب العمل كـ«الإفادة من حسم على ضريبة الدخل قيمته الحد الأدنى للأجور عن كل شخص معوق غير ملزم باستخدامه، وفقاً لإفادة من وزارة الشؤون الاجتماعية». وتشير اللقيس إلى أن المؤسسات لا تلتزم بهذا القانون والدولة غائبة عن القيام بواجبها عبر الضغط لتطبيقه. وتلفت إلى أن «اتحاد المقعدين في لبنان يعمل من خلال مشروع «فتح آفاق لفرص العمل»، من أجل تأمين فرص عمل للأشخاص المعوقين عبر توعية أرباب العمل على قدرات هؤلاء الأشخاص، كما يساعد على تأهيل الأشخاص المعوقين بما يتناسب مع سوق العمل. ويهدف هذا المشروع بشكل رئيسي إلى رفع المستوى المعيشي للأشخاص المعوقين.



نداءويؤكد تقديم الدعم من أجل تأمين سبل العيش الكريم، كالمساعدة في التجهيز الهندسي للمنازل ودعم معنوي عبر جلسات حوار مع أشخاص مماثلين عمرياً ولا يعانون أي إعاقة.
وللمزيد من المعلومات الرجاء الاتصال على الأرقام الآتية: 307365 ــ01 ــ 307366 ــ 01



ابتكارات
لـ 15عاماً ظل فادي صايغ بحاجة للمساعدة ليقوم بأبسط الأمور، من ارتداء ملابسه إلى ركوب السيارة فالصعود إلى السرير. يبلغ فادي 44 عاماً، وهو لم يستطع إكمال تخصصه في الهندسة المدنية جراء إصابته بشلل رباعي سنة 1982، لكن إعاقته حولته من طالب يطمح ليصبح مهندساً مدنياً إلى مخترع ابتكر وسائل تساعد الأشخاص المعوقين في الاعتماد على النفس والاستقلالية.
باكورة اختراعات فادي هي آلة تساعد للصعود إلى السرير. يقول إن ساعة وصل إلى السرير بمفرده، أحس وكأن «عجيبة» حدثت معه، فعزم على تطوير استقلاليته، وبدأت الاختراعات تتدفّق لتشمل الصعود إلى السيارة... واليوم فادي في صدد الانتهاء من بناء منزله المجهز بأكثر من 37 وسيلة تساعده على العيش بمفرده.
يرفض فادي أن يستسلم لواقع الشلل. وهو لم يعمل على صيغة «خلص نفسك»، فيوم بدأ بتنفيذ ابتكاراته كان همه أن يستطيع كل شخص مقعد القيام بكل الحركات الجسدية كي لا تكون الإعاقة عائقاًً. يعلم فادي أنه، بتلقّي المساعدة من الآخرين، يوفر بعض الوقت لكنه يؤكد أن الاستقلالية لا تقاس بالوقت.



احذر!
• استخدم كلمة شخص معوّق، لا كلمة معوق، لأنّ المجتمع هو الذي يعوق الفرد عن التصرّف بحرية.
• تعكس اللغة مدى الاحترام والتقبل للآخر. فمن المؤذي بالنسبة إلى شخص يعاني أي نوع من الإعاقة استخدام التعابير التالية: أعمى، مجنون، أخرس، أعرج، مكبّل... عند التحدث استخدم كلمة «شخص» قبل أيّ من هذه النعوت.
• لم تتكفل وزارة الصحة بالمصابين في حرب تموز، واقتصرت مساعدتها لهم على الرعاية الصحية الأولية.
• يرى أحد الناشطين أن الدولة اللبنانية تذكر الأشخاص المعوقين في آخر الموازنة لجلب مال على اسمهم، من دون أن يصل إلى الأشخاص المعوّقين أية مساعدات.
• تعاقَب المؤسسات في بعض دول العالم إذا ذكرت على طلب العمل الحالة الجسدية... بينما لا يُقبل في لبنان طلب من يعاني إعاقة ما.
• شوهد في الحرب الأخيرة تعاطٍ غير أخلاقي مع الأشخاص المعوّقين: شخص كُبّل بجنازير، وآخر بقي لمدة ست ساعات في صندوق سيارة صغيرة أثناء نزوحه، فيما جلس آخر مع والدته في حمام إحدى المدارس خوفاً من أن يؤذي الآخرين.



سيرة وقضية
اتّحاد المقعدين اللبنانيين جمعية حقوقية يشكل أكثر من 1200شخص معوق هيئتها العامة. الاتحاد منظّمة غير طائفية، وغير حكومية، لا تبتغي الربح، تأسست عام 1981. يعمل الاتحاد في شبكة دمج تضم جمعيات للأشخاص المعوقين، وأهالي الأشخاص المعوقين، وجمعيات دولية اجتمعت جميعها تحت شعار الدمج الاجتماعي والاقتصادي للأشخاص المعوقين. للاتحاد 5 فروع منتشرة في بيروت، مشغرة، برّ إلياس، النبطية، وجبيل. ويقوم بحملة ضاغطة لتطبيق برنامج الدعم التربوي، وتخصيص موازنة تأخذ في الاعتبار احترام حقوق الإنسان. شكّل الاتحاد غرفة معلومات للإعاقات الجسدية في لبنان، ومركزاً استراتيجياً للاستشارات والخبرات. كما يستمرّ في إصدار مجلّة «واو» الدورية، الراصدة لتطبيق القرار 220، والمعنية في تسليط الضوء على أحوال الأشخاص المعوقين ونقل آرائهم وتوجّهاتهم.
يساهم الاتحاد في تطوير عملية التواصل والمشاركة في عملية صنع القرار، عبر تنظيم دورات تدريبية ومخيمات. ويتولّى عملية تقوية المهارات الإدارية والتدريب على الأمور المالية وكتابة التقارير والعمل القيادي والمطلبي. تهدف برامج الاتحاد إلى تحسين ظروف معيشة الأشخاص المعوقين عبر الكشف عن إمكاناتهم في مجالات العمل، وإنشاء مكتب متخصّص في توظيفهم. كما يقيم الاتحاد مهرجاناً سينمائياً سنوياً عن حقوق الإنسان والإعاقة، وينظّم دورات محو أميّة للأشخاص المعوقين وغير المعوقين على السواء، وأُخرى ثقافية حقوقية. وكان الاتحاد قد أنشأ مشغلاً خاصاً في مسائل التجهيز الهندسي للمقعدين، ومراكز للتدريب المهني على الكومبيوتر.
في لبنان حوالى 6000 جمعية تعنى بالأشخاص المعوقين، إلا أن قلة منها فاعلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: جمعية الشبية للمكفوفين، الجمعية اللبنانية للتثلث الصبرية 21، الجمعية اللبنانية للتوحد، اتحاد جمعيات المعوقين في لبنان.