أنطوان سعد
قرر المكتب السياسي في حزب الكتائب اللبنانية ترشيح رئيسه الأعلى الرئيس أمين الجميل للمقعد الشاغر في المتن الشمالي باغتيال نجله بيار، تاركاً له، في الوقت نفسه، توقيت إعلان الترشيح. وفي انتظار التوقيت المناسب والمفترض أن يتزامن أو يلي صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، أجرى حزب الكتائب اتصالات بعيداً من الأضواء مع النائب ميشال المر وقيادة حزب الطاشناق لإطلاعهما على قرار ترشيح الجميل. رحّب الطرفان بالترشيح، واعتبراه طبيعياً لكنهما أرجآ تحديد موقفهما منه في انتظار تشاورهما مع رئيس تكتل الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون. وحتى الساعة، لم يرد إلى حزب الكتائب من المر والطاشناق أي رد منهما فيما لم يعلن عون بعد موقفه من الانتخابات الفرعية المقبلة.
من جهته، لا يرى رئيس تكتل الإصلاح والتغيير أن الوقت حان لإعلان موقف من هذه الانتخابات طالما أن مرسوم دعوة الهيئة الناخبة في المتن الشمالي لم يصدر بعد، ولا تزال تعيق صدوره عقبات، أهمها المتعلق بتوقيع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. وفي هذا الإطار، يقول مصدر مسؤول في التيار الوطني الحر إن عامل توقيع رئيس الجمهورية على المرسوم أمر حاسم "إلا إذا أراد الموارنة ارتكاب جريمة جديدة في حق مشاركتهم ومشاركة المسيحيين في القرار الرسمي. إن الموضوع ككل مرتبط بأزمة لادستورية الحكومة، ونحن ننتظر تحديد موعد الانتخابات الفرعية في شكل دستوري كي نحدد موقفاً منها بالتشاور مع دولة الرئيس المر والطاشناق. نحن بالطبع معنيون بهذه الانتخابات التي ستجري في منطقة لنا فيها حضور سياسي وشعبي معروف حددته الانتخابات الأخيرة".
إذاً قرار حدوث معركة انتخابية في المتن الشمالي مرتبط في شكل خاص بما سيقرره العماد عون. إذا قرر خوضها فحينئذ هناك معركة لأنه حتى الآن لا يبدو أن هناك استعداداً لدى أية جهة سياسية لتقديم مرشح من عندها. وفي هذه الحال، سترتدي المعركة طابعاً سياسياً مهماً لأن جميع الأطراف السياسية ستكون معنية بها لأنها ستعتبرها مصيرية بالنسبة إلى كل منها: العماد عون يريد أن يثبت أنه لم يخسر التأييد الشعبي الذي حصل عليه في انتخابات العام الماضي، وقوى الرابع عشر من آذار المسيحية مهتمة بإعادة اعتبارها الذي خسرته. أما إذا أحجم عون فيمكن إذاك إعلان فوز الجميل بالتزكية إلا إذا قرر خوض المعركة المرشح سركيس سركيس الذي لن يضيره أن يسقط في الانتخابات أمام الرئيس الجميل، إذا لم تحصل معجزة.
وفي أية حال، من مصلحة الكتائب أن تجري الانتخابات الفرعية في أقرب وقت ممكن للاستفادة من العطف الشعبي الذي ولّده اغتيال الوزير بيار الجميل والذي يمكن أن يتراجع مع تأخر موعد العملية الانتخابية واحتدام المعركة السياسية. من هذا المنطلق يمكن فهم تصريح رئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني الذي أصر على أن تحصل في مواعيدها القانونية أياً تكن الاعتبارات، أي في مهلة الشهرين التاليين لشغور المقعد النيابي، وزيارة الرئيس الجميل إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله محاولاً إظهار نفسه في موقع الوسط، على الأقل في الشكل، لأن من شأن ذلك أن يزيد من فرص تزكيته للمقعد الشاغر.
أما الحديث عن عدم جواز خوض المعركة الانتخابية ضد الجميل لتنافيه مع التقاليد اللبنانية فليس دقيقاً ولا توجد قواعد محددة له. إذ شهدت الحياة السياسية اللبنانية، قبل الحرب وبعدها، العديد من الانتخابات الفرعية إلى جانب التزكيات. وكان آخرها انتخابات دائرة بعبدا - عاليه مرتين: الأولى بعد وفاة النائب بيار حلو الذي خلفه ابنه هنري بمعركة والثانية بعد وفاة النائب إدمون نعيم الذي خلفه بيار دكاش بالتزكية. هذا فضلاً عن رفض الرئيس الجميل والنائب نسيب لحود وحلفائهما قبول تزكية النائب غسان مخيبر إثر وفاة عمه ألبير. كذلك كان الوضع في الجمهورية الأولى ويمكن إعطاء مثلين في دائرة الشوف: الأول تزكية ميرنا البستاني بعد مقتل والدها النائب إميل البستاني والثاني المعركة التي خاضها زاهر الخطيب لخلافة والده. كما أنه لا يجوز القول إن الظروف المأسوية كانت حائلاً أمام إجراء معركة انتخابية، ففي الشوف أيضاً سنة 1959، خاض النائب الراحل كمال جنبلاط انتخابات قاسية ضد جوزف مغبغب الذي حاول أن يخلف النائب نعيم مغبغب المقتول في ظروف لا تقل مأسوية عن الوزير الشهيد بيار الجميل.