طارق ترشيشي
عندما توجه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى موسكو مساء الجمعة الماضي كان القائم بأعمال السفارة الروسية في بيروت يستقبل وفداً من المعارضة ويتسلم منه مذكرة باسـم «الاحـزاب والقوى والشخصيات الوطنية» موجهة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحكومة الروسية تؤكد فيها أن السنيورة «ليس رئيس حكومة لبنان حالياً بل هو رئيس حكومة سقطت ميثاقيتها وشرعيتها الدستورية وباتت تمثل وجهة نظر فريق 14 آذار»، وتتمنى عليهما التعامل معها على هذا الاساس.
ولدى وصول رئيس الحكومة اللبناني الى العاصمة الروسية اتصل المسؤولون عن المراسم في الوفد المرافق له بمراسم الرئاسة الروسية في قصر الكرملين للاستعلام عن الموعد الدقيق للقاء المقرر بين بوتين والسنيورة، فأُبلِغوا انه سيجري الاتصال بهم لهذه الغاية قبل ظهر اليوم التالي، أي السبت.
التاسعة صباح السبت، اتصلت مراسم السنيورة مجدداً بالكرملين للاستعلام عن موعد اللقاء مع بوتين، فأُبلِغَت انه سيكون الرابعة بعد الظهر. عندها حددت المراسم مواعيد للسنيورة مع بطريرك موسكو وعموم روسيا ألكسي الثاني ورئيس مجلس المفتين لروسيا الشيخ راوي عين الدي، اولاً لتمرير الوقت الفاصل عن موعد اللقاء في الكرملين، وثانياً للإيحاء بأن الزيارة توجب هذين اللقاءين لإطلاع بطريرك روسيا ومفتيها على ما سيطلبه من بوتين باعتبار أن لهما تأثيراً في السياسة الروسية.
وفي الكرملين، لفت بوتين بداية الى مذكرة المعارضة التي وصلته من بيروت، فردَّ السنيورة متمنياً عليه إقناع سورية بوقف «تدخلها» في لبنان، وأن يؤيد إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالصيغة التي أقرتها حكومته. فنصحه الرئيس الروسي بتسوية الأزمة في العلاقات اللبنانية ــ السورية ثنائياً من دون الاعتماد على الخارج، لأن في ذلك مصلحة لبنانية، وأكد الاستعداد للقيام بدور ايجابي في هذا المجال.
كما نصح الرئيـس الروسي ضيفه اللبناني بعدم تحدي المعارضة بإقرار المحكمة، موضحاً أن روسيا ترى انها ليست لكشف قتلة الرئيس رفيق الحريري بمقدار ما هي وسيلة ضغط اميركية على سورية وحلفائها، وأن موقفها الداعي الى تعديل مشروع إنشــائها ليس للعرقلة بل لتسهيل إقرارها، لأن بقاءه بصيغته الحالية لا يحقق النتيجة المرجوة ويدفع الى منحى لا تريده روسيا وقد يمثّل سابقة يمكن أن تتكرر في مناطق أُخرى منها الشيشان، مثلاً.
وكانت حصيلة الزيارة، وفق مصدر مطلع، انها «لم تلبِّ» مطالب السنيورة ، فكان ان عجَّل بعودته الى بيروت من دون التعريج على باريس، باتراً زيارته التي كان مقرراً استمرارها حتى اليوم، بحيث يكون الرئيس السوري بشار الاسد قد انهى زيارته لليمن التي جاءت بعد زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد وولش لها، واطلع من موسكو على نتائج محادثاتها مع السنيورة قبل ان يزورها بعد ايام.
وبحسب المصدر نفسه، فإن زيارة السنيورة لموسكو «لم تكن موفقة»، وقرّرت الاكثرية في ضوئها «الصمود» الى ما بعد الاعياد، عندما ستتبلور الاستراتيجية الجديدة للإدارة الاميركية في ضوء توصيات لجنة بيكر ــ هاملتون، سواء بالنسبة الى التفاوض مع دمشق وطهران أو إلى نتائج الانتخابات الايرانية لمجلس الخبراء والبلديات التي ستحدد البوصلة السياسية الايرانية للمرحلة المقبلة.
وفي هذه الاثناء فإن لبنان سيكون في وضعية انتظار تبلور الوضع الفلسطيني، إما بـ «صمود» حركة «حماس»، او بـ «غلبة» رئيس السلطة محمود عباس (ابو مازن) الذي يصـــــفه ظرفاء سيــــــاسيون لبنانيون بأنه «الوجه الآخر» للسنيورة، وأنهما «أخَوان بالرضاعة من ثدي الدعم الاميركي» المتمثل حتى اللحظة كلامياً بـ «مليار دولار» لحكومة السنيورة «في مواجهة حزب الله وحلفائه»، وبعشرات ملايين لعباس وأمنه الرئاسي في مواجهة «حماس».
وبحسب معلومات، كان المطلوب ان تؤدي زيارة السنيورة لموسكو ولاحقاً زيارة الرئيس الاسد لها الى تفاهم برعاية القيادة الروسية على محكمة مقننة بالحد الادنى، يمكنها ان تعبر في المؤسسات اللبنانية، لكن تبين ان المبالغة الاميركية والفرنسية في استعمال هذه المحكمة، أدت بالسنيورة الى ان يسمع من الروس أن اغتيال الحريري ليس اول اغتيال سياسي في هذا العالم، وأن الدول التي تستغل المحكمة متورطة في اغتيالات سياسية، ومنها الولايات المتحدة المتورطة في أفريقيا وغيرها، ولذلك فإن الصراع في العالم عموماً وفي المنطقة خصوصاً لا يتوقف على معرفة حقيقة مفترضة في جريمة اغتيال الحريري، وأن نتائجه ليست محكومة بها ايضاً، وهو في المنطقة له عناصر أُخرى منها الاصلي ومنها ما يتوالد مع استمراره.
ولذا ابلغت موسكو السنيورة أنه لا يمكنها بناء موقفها على اساس ان هذا الصراع مبني على هذه الجريمة، بل يجب أخذ مصالح عربية وإقليمية ودولية في الحساب، لأن ربط المسائل بهذه الزاوية فقط يحجز كل الحلول المطلوبة للأزمة في لبنان والمنطقة بها.
وفي ضوء هذا الموقف الروسي، لم يجد السنيورة غضاضة في ان يوحي بعد محادثاته في الكرملين، بأن موسكو «تدعم» تحقيق العدالة في لبنان وتؤيد موقف الاكثرية الحاكمة في هذا الصدد.