strong>عرفات حجازي
اكتمل المشهد السياسي وأعدّ كل طرف عدّته إيذاناً ببدء المنازلة السياسية على طاولة التشاور التي ينتظر أن تعقد ظهر اليوم بأقطابها الأربعة عشر، باستثناء الأمين العام لـ«حزب الله»، وسط أجواء من القلق والترقّب، وذلك ربطاً بمواقف أفرقاء الأزمة وتمسكهم بالحد الأقصى من السقوف المرتفعة، مع استعدادات مضمرة لخفضها، على أمل أن تلتقي في حد وسط يعمل على إعداده «مدير التشاور» متكئاً على دعم عربي ودولي واسع. وهذا المنتج يرجّح أن يكون توسيع الحكومة وإجراء تعديلات في حقائبها، مع ترك الثلث الضامن موضوعاً للنقاش على طاولة الحوار.
وإذا كان من المبكر إعطاء إجابات دقيقة عما سيؤول إليه الحوار، فإن المؤكد أن الطريق ليس مسدوداً أمام خيارات سياسية تسمح بتأمين المشاركة في أخذ القرارات المصيرية وفقاً لاتفاق الطائف. وينصح العاملون على خط الوساطة بالانتظار يومين أو ثلاثة حتى تظهر تباشير ما إذا كان الفرقاء منفتحين على حلول معقولة وجادين في الوصول الى تسوية، أم هم يحرصون فقط على الظهور بمظهر من لا يرفض التشاور،
ومع أن الطرفين يدخلان ساحة الحوار، كل بلاءاته العريضة، إلا أن الأجواء التي يرصدها الوسطاء توحي بشيء من الحلحلة. فقد حرص طرفا الصراع على المشاركة في طاولة التشاور، رغم اعتراض الفريق الأكثري على حصرية الوقت وجدول الأعمال، لكنه أبدى انفتاحه على توسيع الحكومة لجهة إدخال «التيار الوطني الحر»، لكن من دون المسّ بتوازناتها السياسية.
ويرسم الوسطاء صورة المواقف مع بدء التشاور على النحو الآتي:
فريق المعارضة أخذ قراره الاستراتيجي بإحداث التغيير الحكومي، وهو يفضّل التغيير بالتفاهم مع فريق الأكثرية، وإلا يلجأ الى كل الوسائل الديموقراطية والسياسية، وبينها التظاهر والاعتصام والانسحاب من الحكومة وحتى من المجلس النيابي. ويحصر مطالبه في واحد، ويرى أن في ذلك تنازلاً كبيراً على المستوى السياسي، عندما يطلب فقط الثلث الضامن في الحكومة، ولا يطلب شراكة كاملة، وبتمثيل منبثق من مستوى تمثيله النيابي. ويري أن في قيام حكومة وحدة وطنية تصحيحاً للخلل القائم وإعادة اعتبار لموازين القوى السياسية الحقيقية الموجودة في البلاد، إضافة الى أن تأليف مثل هذه الحكومة هو بمثابة دعوة إلى زيادة مناعة الوضع الداخلي وتماسكه وإبقاء الشراكة الحقيقية. وفي سياق متصل، يستهجن فريق الأكثرية مطلب المعارضة، ويصفه بأنه عملية انقلاب سياسي لإطاحة كل المكاسب والإنجازات التي تحققت بعد خروج سوريا من لبنان، وأن الاحتفاظ بالثلث المعطل يعني شل قدرة العمل الحكومي، عدا أنه يبقي الحكومة رهينة قراره. والأكثرية التي ترى أن تحرك المعارضة مدفوع من ريف دمشق، لوّحت بدورها بـ14 آذار آخر.
ووسط هذين الطرحين يتساءل المراقبون كيف سيتمكن صاحب المبادرة من إمرار المخرج؟
لا يخفي الرئيس بري صعوبة مهمته. لكن الرجل يستند الى جملة عوامل مساعدة تجعله متفائلاً. وأول ما يتكل عليه ثقته بأطراف الحوار، إذ مهما ارتفعت المطالب وعلت السقوف فساعة الجد والحقيقة يقدّم الكل المصلحة الوطنية.
والعامل الثاني المساعد هو أن طبيعة الأزمة التي تدور بين الأفرقاء الداخليين تطل على تقاطعات إقليمية ودولية، الأمر الذي يزيد في صعوبة إيجاد الحلول لها. لكن مسارعة بعض الدول العربية والعواصم الدولية المعنية الى تأييد المبادرة ودعمها وتقديم النصح الى الأطراف بوجوب استغلالها، هي مؤشر إيجابي.
أما العامل الثالث فهو حاجة الفريقين الى من يساعدهما على الخروج من المأزق، بعد أن باتا أسيري مواقفهما.
أما العامل الرابع المساعد، فيكمن في أن الرئيس بري لا يطرح تغيير الحكومة، بل يطرح توسيعها بضم كتلة «التيار الوطني الحر» وحلفائها من النواب، بعد الاستغناء عن بعض الوزراء الحاليين، في حال إبقاء الحكومة في صيغة 24 وزيراً.
يبقى أن المشكلة التي تدور حولها الأزمة، وهي الثلث الضامن، حيث إن الرئيس بري لا يرى جديداً في الجدل حولها، وقد أثيرت أثناء تأليف حكومة الرئيس السنيورة الحالية وخلصت المناقشات الى الإتيان بالوزير طارق متري غير المحسوب على أي طرف، ليرسي الميزان بين الطرفين. فهذا الثلث كان موجوداً، لكن تغيير الاتجاهات السياسية لبعض الوزراء أطاحه. عدا أن «حزب الله» وحركة «أمل» لم يتوقفا عنده في حينه، نتيجة قيام الحلف الرباعي على قاعدة التفاهم والتشاور في كل أمر أساسي قبل طرحه على مجلس الوزراء، ومع سقوط الحلف الرباعي سقطت التفاهمات وغابت المشاركة الحقيقية في مجلس الوزراء.
في المحصّلة، السفراء الذين يعملون على إنضاج التسوية التي يعدّها بري على اقتناع بأن الأكثرية ستسير بها، وأن الثلث الضامن سيحسب من حصة مَن أجاد ويجيد إمساك العصا من الوسط.