strong>بسام القنطار
أطلق الخبير الاقتصادي البريطاني نيكولاس شتيرن مطلع الأسبوع الماضي مراجعة علمية لاقتصاديات تغيّر المناخ. ويأمل البيئيون أن تدفع التحذيرات المروعة التي وردت في ما بات يعرف بـ«تقرير شتيرن» إلى اتّخاذ قرارات مصيرية في المؤتمر الدولي الـ 12 عن المناخ الذي افتتح أمس في نيروبي بمشاركة حوالى 6 آلاف شخص


تسعى مختلف دول العالم في محادثاتها حول المناخ في العاصمة الكينية نيروبي منذ يوم أمس لإيجاد سبل جديدة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، بعد تحذير من أنّ الامتناع عن القيام بعمل على المدى الطويل قد يطلق شرارة انكماش اقتصادي مفاجئ وعنيف. لكن الأوساط البيئية تشير إلى أن المحادثات التي تشارك فيها 189 دولة وتستمر حتى السابع عشر من الجاري، من غير المرجح أن تؤدي إلى إنجازات كبيرة، وربما تتجنّب وضع جدول زمني صارم لصياغة خطة تخلف بروتوكول «كيوتو» للأمم المتحدة، الخطة الدولية التي ترمي الى خفض الاحتباس الحراري التي تنتهي عام 2012.
ويؤكد مختلف المتابعين لمشكلة الاحتباس الحراري الحاجة الملحة إلى التقدم في مجالين، هما اتفاق عالمي لما بعد عام 2012، وتحديد كيفية مساعدة الدول النامية على التكيف مع التغيّرات المتوقع حدوثها مثل المزيد من الجفاف والفيضانات وارتفاع مستويات مياه البحار. ويشكل حرق الوقود العضوي في محطات الطاقة والمصانع والسيارات السبب الرئيس للاحتباس الحراري.
ويعترف إيفو دي بوير، مدير أمانة تغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة، بأنّه «لا توجد ضغوط حتى الآن لتحديد موعد نهائي لإكمال معاهدة لما بعد 2012، مشيراً إلى أن حواراً موسّعاً في العمل المستقبلي سينتهي فقط في عام 2007». ويضيف «لا أعتقد بأنه ستكون هناك ضغوط في نيروبي لتحديد مثل هذا الموعد».
وسيحاول الاجتماع الذي يشارك فيه ستة آلاف شخص ضمن وفود ووزراء يحضرون في أسبوعه الثاني، تحديد كيفية إشراك الخارجين عن بروتوكول كيوتو في شكل أوثق في خطط طويلة المدى تقودها الأمم المتحدة. يُذكر أنّ هؤلاء «الخوارج» تقودهم الولايات المتحدة، أكثر دولة في العالم تصدر منها انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إضافة إلى عدد من الدول النامية مثل الصين والهندويلزم بروتوكول كيوتو 35 دولة صناعية بخفض الانبعاثات بنسبة 5 في المئة عن مستويات عام 1990 بحلول الفترة بين عامي 2008 و2012.
وحذرت أشمل مراجعة علمية لاقتصاديات تغيّر المناخ، أُطلقت مطلع الأسبوع الماضي، من أن كلفة الامتناع عن مكافحة الاحتباس الحراري العالمي قد ينتج منها انكماش اقتصادي على نطاق يماثل ما حدث في الحربين العالميتين وفي فترة الركود الاقتصادي في الثلاثينيات من القرن الماضي. ويأمل دعاة الحفاظ على البيئة أن يدفع التحذير المروع الذي ورد في تقرير البريطاني نيكولاس شتيرن، كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، إلى المزيد من الإحساس بالضرورة الملحة للقيام بخطوات عملية في اجتماع نيروبي.
ويؤكد تقرير شتيرن أن التقاعس عن معالجة التغيّر المناخي قد يرفع درجات الحرارة في العالم إلى ما يصل إلى خمس درجات مئوية خلال القرن المقبل، ما سوف يتسبب بفيضانات كبيرة وجفاف حاد واحتمال تهجير ما يصل إلى 200 مليون نسمة. ولكن شتيرن، وهو اقتصادي بارز عمل في البنك الدولي، يشير إلى أنّه «إذا اتّخذت إجراءات الآن، فإنّ المنافع الناجمة من اتّخاذ خطوات على امتداد العالم لمعالجة ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكوكب ستفوق بكثير الكلفة الاقتصادية والبشرية».
وتخضع تداعيات التغير المناخي للكثير من التشكيك، وخصوصاً من الدول النفطية. لذلك نجد أن رد الفعل الأول على التقرير جاء من قبل محمد باركيندو أمين عام منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، الذي قال إنّ التقرير «لا أساس له في العلم أو الاقتصاد». ولكن ما ليس محل شك هو الدليل العلمي على أن ارتفاع درجة حرارة الأرض ينجم من التزايد الهائل في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الناتج من ظاهرة الاحتباس الحراري. ولا يوجد شك في انه إذا ما كان العلم محقاً، فإن العواقب التي ستنعكس على كوكبنا ستكون كارثية بالفعل، وهذه الكارثة ليست متوقعة الحدوث في الخيال العلمي بعد سنوات عديدة مقبلة، إنّما خلال حياتناوقال تقرير شتيرن إنّ ثبات مستوى الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي سيكلف نحو واحد في المئة من الناتج العالمي السنوي بحلول عام 2050. وقد يؤدي التوقف عن اتخاذ إجراءات إلى خفض معدل الاستهلاك العالمي للفرد بما يتراوح بين خمسة و20 في المئة.
وزير المال البريطاني جوردن براون، الذي شارك في إطلاق التقرير، أكد أهمية ربط قوة الأسواق إلى نظام دولي لمقايضة انبعاثات الكربون، باعتباره أحد أفضل السبل لتقليل انبعاثات الغازات الملوثة.
واقترح براون، مشتركاً في ذلك مع شتيرن، هدفاً جديداً للاتحاد الأوروبي هو خفض الانبعاثات بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2020 وبنسبة 60 في المئة بحلول 2050، وتوسيع نظام موجود بالفعل لمقايضة انبعاث الكربون ليغطي ما يزيد على نصف الانبعاثات.
ويريد براون أن يرتبط نظام الاتحاد الأوروبي الذي يضع الحدود العامة لانبعاثات الكربون ويسمح في الوقت نفسه للشركات بمقايضة حصصها بأوستراليا وكاليفورنيا واليابان والنروج وسويسرا لتحديد سعر دولي للكربون مما يحدد كلفة واضحة للتلوث. ويشير تقرير شتيرن إنه في ظل التوجهات الحالية سترتفع درجات حرارة الكوكب المتوسطة ما بين درجتين وثلاث درجات مئوية خلال الخمسين سنة المقبلة أو نحو ذلك، مقارنة بدرجات الكوكب بين الفترة من عام 1750 إلى عام 1850.
وإذا استمر تزايد الانبعاثات، فإن درجة حرارة الأرض سترتفع مزيداً من الدرجات المئوية، وستتمخض عن هذا عواقب وخيمة. وستكون الدول الفقيرة هي الأكثر تضرراً حيث سيهدد ذوبان الأنهار الجليدية في البداية بزيادة الفيضانات وسيضر بإمدادات المياه ويهدد في نهاية المطاف نحو سدس سكان العالم. ويريد البيئيون وبعض الحكومات وكثير من رجال الأعمال الذين يعتزمون الاستثمار على المدى الطويل في تقنيات جديدة، من المتفاوضين في نيروبي أن يضعوا بديلاً يخلف بروتوكول كيوتو بحلول عام 2008.
ويعتقد بعض الخبراء أن أي بديل أوسع نطاقاً لبروتوكول كيوتو ينبغي ان ينتظر حتى عام 2010 بعد ان يخرج الرئيس الأميركي جورج بوش من البيت الأبيض في كانون الثاني 2009.
ويقول بوش ان بروتوكول كيوتو سيكلف الولايات المتحدة فقدان وظائف ويستثني على نحو خاطئ دولاً نامية. وينفق بوش بكثافة على تقنيات جديدة لكن سياساته تسمح بزيادة الانبعاثات حتى عام 2010.
ولم يؤد تقرير شتيرن الى ظهور أي علامة على تحوّل المتشككين عن معتقداتهم في شأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ووصف مجلس البيت الأبيض لنوعية البيئة التقرير بأنه «إضافة أخرى» الى «تحليلات اقتصادية غزيرة» حول قضية تغيّر المناخ.



الشعاب المرجانية

تعتبر الشعاب المرجانية من أكثر المناطق المعرضة للخطر في العالم بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، وهي من أكثر المناطق البحرية جمالاً، وتنشأ من تكاثر حيوانات مجهرية دقيقة، ويشكل الرجان الصلب مكوّنها الرئيسي. وتعتبر الشعاب المرجانية مورداً مهماً للصيد والسياحة. وتقدر الأمم المتحدة قيمة هذا المورد الاقتصادية بنحو 30 مليار دولار سنويا.
ووفقا لتقرير جديد صدر منتصف الشهر الماضي، بدت مؤشرات على تعافي مناطق الشعاب المرجانية منذ أواخر التسعينيات عندما أدى ارتفاع درجات حرارة المياه بشكل غير عادي إلى القضاء على زهاء 90 في المئة من الشعاب في بعض مناطق العالم.
وبحسب مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة آخم شتاينر، فإن الشعاب المرجانية خير دليل على أن ما يحدث في الغلاف الجوي يمكن أن يكون له تأثير كبير على النظام البيئي. فما حدث من تحول في لون الشعاب عام 1998 أدى إلى مقتل ما بين 50 إلى 90 في المئة من الشعاب المرجانية او على الاقل تحول لونها في اجزاء من المحيطين الهندي والهادي. الامر الذي ينذر بحدوث كارثة بيئية كبيرة.
والتقرير الجديد يظهر تماما مدى خطورة هذا التدمير ومدى اختلاف معدلات إعادة الأشياء الى طبيعتها في مناطق مختلفة من العالم. ويقول التقرير إن تعافي الشعاب المرجانية بعدما فقدت لونها الطبيعي يعتمد على نظافة المياه. وفي آسيا وشرق أفريقيا يتم القاء زهاء 90 في المئة من مياه الصرف في الأنهار والبحار مباشرة.
وإذا استمرت توجهات الاحتباس الحالية، والنماذج تشير إلى أنها ستستمر وربما بسرعة أكبر، فسيكون لها تأثير كبير على الأماكن التي يستطيع الناس العيش والزراعة فيها وعلى الأماكن الساحلية التي سيرحل الناس عنها لأنه لن يكون بإمكانهم بعد ذلك العيش هناك.



تأجيل الكارثة بطمر ثاني أوكسيد الكربون

تؤكد المنظمات والأحزاب المدافعة عن البيئة أن تجميع الكربون نوع من التفكير الخيالي يؤجل التحول إلى الطاقة المتجددة. ويعدّ استخدام الطاقة بكفاءة والمصادر المتجددة هو الخيار الأفضل. لكن، على رغم ذلك، يرى البعض أن تجميع الكربون وتخزينه نوع من مخارج الطوارئوذكرت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير رفعته إلى زعماء مجموعة الدول الثماني خلال الصيف الماضي، أن تجميع الكربون وتخزينه حل رئيسي من شأنه تحقيق ما يصل إلى 28 في المئة من خفض الانبعاثات الذي يمكن تحقيقه.
وتقدّر أحد التقارير وجود سعة تحت الأرض لتخزين انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على مدى 80 عاماً، أي نحو 2000 مليار طن. لكنه ذكر أن تكلفة ثاني أوكسيد الكربون ينبغي عندئذ أن تراوح بين 25 و30 دولاراً للطن كي تكون مجدية اقتصادياً، وهي تكلفة تزيد كثيراً على أسعاره في أسواق الاتحاد الأوروبي.
ويشير الخبراء إلى وجود مخاطر رغم أن ثاني أوكسيد الكربون ليس سامّاً عند مستويات التركيز المنخفضة العادية، لكنه يمكن أن يسبّب الاختناق لأنه أثقل من الهواء. وكان 1800 شخص قد لاقوا حتفهم في الكاميرون عام 1986 بسبب انبعاث ثاني أوكسيد الكربون من بحيرة بركانية.