نقولا ناصيف
الساعات الأربع والعشرون الفاصلة عن غد السبت، موعد الجولة الرابعة لطاولة التشاور، هي الساعات الفاصلة بين حلّ الحدّ الأدنى الذي يرضي المعارضة ولا يُغضب الغالبية الحاكمة، وذهاب الطرفين إلى الشارع للاحتكام إليه سواء في استمرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أو استقالتها. وحتى مساء أمس كانت الانطباعات المطمئنة، المرتبطة بمشاورات سرية، تجري بعيداً من الأضواء، تؤكد صحة ما أعلنه الرئيس نبيه بري ظهراً، وهو أن طاولة التشاور أحرزت تقدّماً. ومن دون مغالاة وتحميل هذه الإيجابيات أكثر مما يقتضي أن تحمل حتى غد، ينبغي أيضاً مقاربة الساعات الأربع والعشرين المقبلة على أساس أنها فرصة لمناورة سياسية جديدة من شأنها التأثير سلباً أو إيجاباً على مسار التشاور البعيد عن الطاولة.
لكن التقدّم الذي كشفه، وبغموض، رئيس المجلس يرتبط بمعطيات تتردّد في أوساط معنية مباشرة بطاولة التشاور، ومنها:
1 ــــــ فصل الملف الرئاسي عن الملف الحكومي تماماً، والتفاوض في موضوع حكومة الوحدة الوطنية لكونها بنداً مستقلاً في ذاته، وهي مصدر الخلاف القائم بين الأكثرية والمعارضة على المشاركة وإدارة السلطة. ويشير ذلك إلى تراجع قوى 14 آذار عن شرط كانت قد جعلت منه أساس موافقتها على الخوض في حكومة جديدة، هو إقرار حل سياسي شامل متكامل، بنده الأول انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإنهاء ما يراه هذا الفريق «أزمة حكم» تعطّل الرئاسة الأولى والعلاقة بينها وبين السلطة التنفيذية، وتقف عقبة في طريق التغيير، وتخلّ بعمل المؤسسات الدستورية. والظاهر أن الغالبية أخذت برأي بري في أن لهذا الملف طاولة ليست طاولة التشاور، ناهيك باستمرار تناقض موقفي طرفي النزاع على الخلافة المحتملة للرئيس إميل لحود، علماً بأن النائب ميشال المر طرح على طاولة التشاور اقتراحاً بتعديل دستوري يقضي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية من الشعب مباشرة، فلم يعلّق أي من الحاضرين.
2 ـــــــ تسليم الغالبية بما كانت قد أعلنت رفضه تكراراً على لسان أركانها جميعاً، ولا سيما منهم الرئيس أمين الجميل والنائبان وليد جنبلاط وسعد الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وهو أن قوى 14 آذار لن تتخلى عن غالبية الثلثين التي تسيطر عليها في حكومة السنيورة. ويبدو أن ملامح اتفاق غير نهائي تشير إلى أن حكومة وحدة وطنية جديدة «قد» تكون في طريقها إلى إبصار النور لا تملك قوى 14 آذار فيها أكثرية ثلثي مقاعدها (أي 17 مقعداً تبعاً لحكومة من 26 وزيراً)، وتالياً ستتمثّل بـ 16 وزيراً (مما يشكّل ثلثي مقاعدها في حكومة الـ24 الحالية). وهو جوهر تنازل يتردّد أن تلك القوى أقدمت عليه، ولكن دون تمكين الفريق الآخر، وهو التحالف الشيعي والرئيس ميشال عون، من السيطرة على الثلث زائد واحداً الذي، في حال حصوله، يقلب التوازن السياسي داخل السلطة التنفيذية رأساً على عقب، ويقيّد فاعلية الغالبية الحالية.
3 ــــ رغم أن قوى 14 آذار لم تبدِ بداية تجاوباً مع الصيغة التي اقترحها المر في الجولة الثانية للتشاور (الثلاثاء 7 تشرين الثاني)، وقد تبلغ في اليوم التالي، الأربعاء، رفض الحريري بعدما كان قد وافق عليها رئيس المجلس وعون و«حزب الله»، أضحت هذه الصيغة أمس أساساً صالحاً للبحث مجدّداً في حل لا يُقرّ أي من طرفي النزاع أن أحدهما سيخرج منه رابحاً والآخر خاسراً. وتقول هذه الصيغة بتعديل حكومة السنيورة لتصبح «حكومة وحدة وطنية» بعد رفع عدد وزرائها إلى 26، بزيادة وزيرين: كاثوليكي ودرزي، وبأن يصار إلى توزيع مقاعدها على أربع قوى هي:
ــــــــ رئيس الجمهورية الذي يتسلّح بصلاحية توقيعه الدستوري الملزم لأي تعديل حكومي شرطاً لموافقته عليه، فيحتفظ بوزيره الحالي وصهره السابق الياس المر. وفي واقع الأمر فإن الموقع الفعلي للمر الإبن في معادلة التوازن الداخلي، في الحكم وخارجه، يبدو غامضاً. وهو في بضعة مواقف اتخذها في الأشهر الأخيرة فاجأ لحود والغالبية على السواء.
ــــ قوى 14 آذار التي تحتفظ بـ16 مقعداً هي دون غالبية الثلثين. لكنها لا تفقد أياً من وزرائها الأصيلي الانتماء إليها.
ــــ التحالف الشيعي (بري و«حزب الله») الذي يحتفظ بوزرائه الخمسة.
ــــ عون الذي يحصل على ثلاثة مقاعد هي: ماروني (خلفاً لشارل رزق)، وأرثوذكسي (خلفاً ليعقوب الصراف المحسوب أساساً على لحود)، وكاثوليكي (مُحْدَث للنائب الياس سكاف). مع أن ثمة مَن يقول باحتمال حصول كتلة الجنرال على مقعد أرمني يشغله حزب الطاشناق على حساب أحد مقعدين تشغلهما الغالبية (خلفاً للوزير الأرمني جان أوغاسبيان، أو وزير الأقليات سامي حداد) .
ـــــ وإلى هؤلاء جميعاً «الوزير الملك»، على وزن «الشاهد الملك»، الذي يشكّل الضمان الذي لا يُرجّح كفة فريق على آخر، ولا يحيله هذا الفريق سيفاً مصلتاً على الآخر، ولا يتحوّل على نحو استخدام الغالبية ثلثي مجلس الوزراء رقماً تهدّد به الأقلية. والمقصود بذلك كله أن «الوزير الملك» يقع بين غالبية تملك أقل من الثلثين، وأقلية تملك ثلثاً غير مجد استخدامه من دون «الوزير الملك» هذا. وقد يكون ذكاء الصيغة التي اقترحها المر المخرج الأفضل للطرفين: تنازلت الغالبية عن ثلثيها من دون أن تجيّر سيفها للأقلية. ولكن الوجه الآخر لهذه التسوية أن «الوزير الملك» سيكون درزياً، ربما النائب أنور الخليل الذي يوالي بري سياسياً لكونه عضواً في كتلته، وجنبلاط درزياً وكان في عداد المشاركين في تنصيب شيخ العقل الجديد للطائفة القاضي نعيم حسن. أيّد إمساك جنبلاط بالملف الدرزي، وصوّت مع قانون المجلس المذهبي الدرزي مبتعداً عن النائب السابق طلال أرسلان.
4 ــــ أبدت الغالبية استعداداً للتجاوب مع «ثلث زائد واحداً» للمعارضة شرط حصولها على ضمانات لهاجسين رئيسيين، كان قد عبّر عنهما الحريري في خلوة جمعته أمس بنائب «حزب الله» محمد رعد في حضور رئيس المجلس، واستمرت قرابة ربع ساعة. كان جواب رعد عن هاجسي زعيم الغالبية ـ وهما المحكمة الدولية وتنفيذ القرار 1701 ـ أن «حزب الله» يؤيد في المبدأ تأليف محكمة ذات طابع دولي، لكنه يتمسّك أيضاً بمناقشة مسودتها خشية انطوائها على تسييس يستهدفه مباشرة. وأكد رعد لمحدّثه التزام الحزب ما كان قد أعلنه الأمين العام السيد حسن نصر الله بهذا الخصوص في وقت سابق.