بحكم كوني طالباً في إحدى جامعات لبنان «الراقية» نسبياً، تعوّدت، للعام الثالث على التوالي، أن تزيد أسهم علاقاتي بشكل كبير في هذه الفترة من العام الدراسي. ويشهد الله أنه ما عليّ بذل أي مجهود في سبيل هذه الغاية، وأنه يكفي وجود اسمي في «لوائح الطلاب» لأتحوّل تلقائياً إلى مغناطيس يجذب أشخاصاً وأسماءً، بعضها لم أسمع به يوماً قبل هذه الفترةإنّه، بكلّ فخر، موسم «الانتخابات الجامعية»!ففي كل عام، مع حلول «التشرينين»، تتقلّب الأجواء في جامعات لبنان مع تقلّب الطقس المرافق لهذين الشهرين. تتلبّد غيوم الشعارات، وتصفر رياح التحالفات منذرة بأعاصير وسيول لائحات، فتتفجّر «بالوعات» الأسماء في زقاق الأحزاب والتيارات. والويل كل الويل، لمن يصادف وقوفه في مجرى تلك السيول، فإما أن ينجرف راضياً، أو يهلك ممانعاً!
باختصار شديد، تمسي الجامعات في هذه الفترة مستوعبات حقيقية لمخلّفات الشوارع السياسية، ليعيش الطلاب فيها تحت وطأة الإشعاعات المنبعثة منها، بغضّ النظر عن خطورتها ومضاعفاتها، فضلاً عن الصبغة والتلوينة المفروضة على كل واحد، انطلاقاً من اسمه، اسم والده أو حتى قياس حذائه!
لن أدّعي وأقول إني أفهم أسباب هذه الظاهرة رغم أني أتفهّمها جيداً، وأتفهّم المؤشرات والحسابات التي ينتظرها ويراهن عليها الكثير من عشاق السباقات ومدمني الأرقام. لكنها حسرة في نفسي أن أجد خيول هذه السباقات طلاباً ومثقفين هُم أفهم وأفقه من العديد من «زعماء» المراهنات الذين يتربّعون على عروشهم، الموروثة أصلاً، وهمّهم الوحيد أن يروا أبناءهم من بعدهم أكثر نفوذاً وأشدّ سلطة.
لا أقول كلامي هذا من دافع «ثورجي» أو انقلابي، إذ إنني أدرك جيداً قيمة العمل السياسي والديموقراطية المزعومة فيه، كما أنني أحترم كل السياسيين وأقدّر عيونهم الساهرة على مصلحة الوطن وحمايته! إلا أني أعلم أيضاً أنه ما من «إصلاح ولا تغيير» في هذا البلد إن بقي شبابه، وطلابه ومثقفوه، يتدرّجون باجتهاد في صفوف و«كتائب» المناهج الببغائية. وما من «أمل» في «مستقبل» وطن، النظريات فيه «تقدمية» متطورة والممارسات تقليدية ورجعية!
ختاماً، أرجو الله كما أرجو رجاله ومحبيه و«أحزابه» أن يرأفوا بهذا الوطن قليلاً، وأن يجعلوا فيه، خير قوت، شباباً حراً مستقلاً ليكونوا له مصدر قوة، أو بالأحرى، «قوات» حقيقية.
أحمد باسم سبيتي
(طالب في الجامعة الأميركية في بيروت)