ابراهيم عوض
قال وزير الإعلام غازي العريضي إن موقف جنبلاط المعارض للنظام السوري لا عودة عنه، فيما سألت جهات معنية بمتابعة ملف العلاقات اللبنانية ـ السورية عن القرار المتخذ على طاولة الحوار والقاضي بفصل هذه العلاقات عن مسار التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري

بعد عودة وزير الاعلام غازي العريضي من زيارته الاخيرة الى المملكة العربية السعودية في منتصف شهر ايلول الماضي سألته «الأخبار» عن الهدف من وراء الزيارة وما اذا كان الملك عبد الله بن عبد العزيز قد حمّله رسالة الى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط يتمنى عليه فيها التخفيف من حدة خطابه الموجه ضد قوى وأطراف محلية وكذلك ضد سوريا، تمهيداً لتهدئة الأجواء وإفساح المجال امام مبادرة سعودية تنشط على الساحة الداخلية بعد وقف العدوان الاسرائيلي على لبنان.
وقد استهل العريضي رده بالتوضيح أن الزيارة ليست وليدة ساعتها وجاءت تلبية لدعوةٍ تلقّاها من قبلُ وحدد موعدها خلال شهر آب، لكنه اعتذر عن عدم تلبيتها في ذلك التاريخ لاستمرار الحصار على لبنان ورفضه السفر عبر مطار الاردن وآثر التوجه الى الرياض من مطار بيروت مباشرة بعد رفع الحصار، وهكذا كان.
وقال العريضي يومها إن لهجة «وليد بيك» في ما يخص المسائل اللبنانية باتت اهدأ من ذي قبل، أما بالنسبة لسوريا فلا مجال للبحث في هذا الموضوع ولا عودة بعد الآن عن الموقف الذي اتخذه بالقطيعة معها، لافتاً في الوقت نفسه الى ان الانتقادات التي يوجّهها الى الادارة الاميركية والمسؤولين الاميركيين ولا يوفر فيها سفيرهم في بيروت، لا تعني انه «فاتح على حسابه»، موحياً أنها تعكس رأي جنبلاط ايضاً.
وفي مقابلته التلفزيونية اول من امس على شاشة «المستقبل»، مارس جنبلاط «لذة» مقارعته الرئيس بشار الاسد التي طالب بها في احدى جلسات التشاور الاسبوع الماضي، فحمل عليه بعنف، مكرراً اتهام النظام السوري بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واستجابة حلفائه في لبنان لأمر العمليات الصادرة عنه لتعطيل المحكمة الدولية، وتصديره عناصر من «القاعدة» الى داخل الاراضي اللبنانية وغير ذلك من الاتهامات التي اشرك فيها ايران ايضاً.
إلا ان اللافت في كلام جنبلاط بعد نعته الاسد بأبشع الالفاظ، استغرابه واستهجانه لتلقّيه مذكرة جلب للمثول امام القضاء السوري، وكذلك تساؤله عن سبب عدم اقامة علاقات ديبلوماسية بين دمشق وبيروت كما جرى الاتفاق على ذلك في جلسات الحوار، والذي اجاب عنه في مكان آخر من المقابلة بقوله: «لا أفق لمصالحة بين الشعب اللبناني والنظام السوري إلا اذا تغيرت صيغته واعترف بالتنوع والتعدد».
وفي ضوء ما تقدم، عادت الجهات المعنية بمعالجة الوضع المتدهور للعلاقات اللبنانية السورية في كل من بيروت ودمشق لتطرح السؤال اذا كان في إمكانها تحقيق اي تقدم في عملية انعاشه وخصوصاً بعدما اسدل الستار حالياً على زيارة الرئيس فؤاد السنيورة الى العاصمة السورية التي لم تتم حين كانت الفرصة متاحة لذلك، على عكس ما هو عليه الامر الآن بعدما اضحى مصير ما بقي من حكومته مجهولاً.
وتبدي الجهات المعنية هذه عتبها على المسؤولين اللبنانيين الذين لم يصارحوا نظراءهم اللبنانيين بعدم قدرتهم على تنفيذ التوجه الذي اعتمد على طاولة الحوار والقاضي بالفصل بين التحقيق في جريمة اغتيال الحريري والعلاقات بين البلدين، وكذلك عدم الأخذ بالنظرية التي اسمعها السنيورة نفسه الى وزير الخارجية السوري وليد المعلم حين التقاه في بيروت اثناء انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب ومفادها «انه لا يمكن ان ينجح رئيس الوزراء في لبنان ما لم يتمكن من اقامة افضل العلاقات مع سوريا».
وتذكّر هذه الجهات بأنه لدى سؤال الرئيس السنيورة الشهر قبل الماضي عن وجود علاقة بين زيارته سوريا والتقرير الذي سيصدره المحقق البلجيكي سيرج براميرتس، استغرب الأمر وعزا سبب عدم قيامه بها الى إعداد جدول اعمال تعذّر ظهوره بالتأكيد.
واذا كان الجانب السوري قد غض الطرف عما قاله السنيورة في حديثه الى «الواشنطن بوست» خلال زيارته الى الولايات المتحدة من ان شريحة واسعة من اللبنانيين تميل الى الاعتقاد بوجود علاقة ما لأطراف سورية في اغتيال الحريري، وعاد ووجّه له دعوات متتالية الى دمشق، فان هذا الجانب يستوقفه الهجوم المتواصل الذي يشنّه النائب سعد الحريري على الرئيس السوري، وإعلانه اكثر من مرة عن وجود قناعة لديه بتورط مسؤولين سوريين في الجريمة، وهو الامر الذي يفسر جلياً تصرفات من ينتمي الى الكتلة التي يرأسها الشيخ سعد.
وتخلص الجهات اللبنانية ـ السورية المكلفة متابعة ملف العلاقات بين البلدين، وبعد عرضها شريط الاحداث التي شهدها لبنان منذ الاعلان عن تسلم مسودة مشروع المحكمة الدولية، الى قناعة بوجود رابط بين تلك العلاقات وبين مسار التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري من الصعب التخلص منه في الوقت الحاضر، وهو ما عبّر عنه صراحة وبوضوح، الرئيس الاسد في مقابلة صحافية له حين اشار إلى أن العلاقات بين لبنان وسوريا باتت تتأثر بالتحقيق الدولي، مكرراً التأكيد على براءة سوريا من الجريمة، معلناً انه في حال وجود متورط سوري فيها فإنه سيواجه بتهمة الخيانة العظمى.