strong>مهى زراقط

ما أن وصل نبأ الاغتيال إلى مسامع الكتائبيين حتّى توجّهوا عفوياً إلى "بيت الكتائب" في الصيفي حيث عبّروا، على طريقتهم، عن غضبهم وسخطهم

13 نيسان 1975 تاريخ كان حاضراً بقوة على ألسنة معظم الشباب الذين احتشدوا مساء أمس أمام بيت الكتائب المركزي في الصيفي الذي أقفل في وجه السيارات بالإطارات المحروقة فور شيوع خبر الاغتيال.
كلما وصلت وسيلة إعلامية إلى المكان، كان الشباب يبادرون إلى إعادة التذكير بتاريخ محاولة اغتيال الشيخ بيار الجميل الجدّ في عين الرمانة (التي أدت إلى استشهاد مرافقه جوزف أبو عاصي)... وانطلاقاً منها، كانت توجه الرسائل الإعلامية: «ذلك التاريخ أشعل الحرب الأهلية التي أنتجت 15 عاماً من السلم الوهمي. ولأننا نؤمن بأن السلم لا يقوم من دون حرب، نحن مستعدون لحرب تنتج سلماً حقيقياً هذه المرة».
هذا الخطاب، بقساوته، هو الوحيد الذي يمكن نقله عن ألسنة معظم المحتشدين في المكان لأن «تصاريحهم الإعلامية» كانت تتصاعد وفقاً للأسئلة التي كان يطرحها الصحافيون عليهم: «لماذا قتلوا بيار الجميل برأيكم؟»، «هل عصّبوكم بقتله؟»، «هل نرفزت لأنّهم قتلوه؟».
الإجابات مباشرة ولا تتحمّل أي تجميل. يسمّون الشخصيات اللبنانية، يشتمونها ويعرضون سبل القصاص منها بطريقة تؤجج مشاعر رفاقهم فيزيدون عليها كما يزيدون «الفولارات» على رقابهم والأعلام في خلفية الصورة التلفزيونية.
ربما كان هذا السلوك الإعلامي المحترف للشباب الغاضب هو الذي أوهم الصحافيين بعدم ضرورة طرح أسئلة عليهم. افترضوا أنهم يعرفون ما يجب قوله فتركوا لهم العنان ولم يخطر لأحد أن يسأل عن بيار الجميل، رغم أن المصوّرين لم يجدوا لقطة أفضل من صورة الفتاة الحزينة التي حملت صورته وطلبت منهم عندما لاحظت تحلقهم حولها: «لا تصوروني أنا، بل صوّروا بيار... صوّروا العريس». تقول والدموع تخنق كلماتها: «هذه الصورة غير قديمة، أعدها الشباب ووزعوها مع بدء قيامه بجولات على الأقسام الكتائبية في المناطق. كان يعمل لكي نكبر، أقام 36 مهرجاناً حزبياً في البقاع وكسروان».
زميلها الذي وصل لتوّه من مركز عمله يوضح: «لقد استشهد في مكان يبعد 25 متراً عن بيت الكتائب في الجديدة الذي افتتح في نيسان الفائت. حزبنا أكبر الأحزاب وأقدمها، نحن علّمنا الجميع ولهذا يريدون تدميرنا».
حديث محازبي الكتائب يختلف عن حديث القوى الشبابية التي انضمت إليهم. خسارتهم كبيرة وكانوا يتوقعونها: «كنا نحضر لاحتفال نقيمه في بعبدا يوم الأحد الماضي وتم إلغاؤه لدواع أمنية. صاروا يسخرون منا ويقولون إن السبب هو عدم وجود جماهيرية للحزب. هل صدّقوا الآن؟».
الجملة الأخيرة تستدعي العودة إلى الاتهامات والشتائم. لا يخفف منها إلا الاتصالات لمعرفة الخطوات التالية للتجمع التلقائي الذي أقاموه.. من كان في المستشفى يقول لأصدقائه الرئيس أمين الجميل ينوي إعلان قرار وصفه بالموجع: «قد يطلب منا التوجه إلى قصر بعبدا لكي نقيل ....».
الشتيمة التي يطلقها تلقى الاستحسان وتولّد غيرها، بل وتتضاعف مع وصول رئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني إلى المركز («ما علاقته بالكتائب» يرددون) عند الساعة السابعة إلا ربعاً. مع وصوله يعلن عن اجتماع سيعقد في بيت الكتائب لإصدار بيان سياسي. لكن قبل ذلك يجب «عدم إشعال النيران»، يطلب منهم. وبالفعل تبدأ عمليات إخماد نيران الإطارات التي أشعلوها فيقول أحدهم في محاولة للتهرب من ذلك: «لقد طلب عدم إشعال النيران وليس إخماد ما أشعلناه سابقاً». لكن سيارة الدفاع المدني التي تصل تحسم الموضوع ويتعاطى الشباب بإيجابية معها في انتظار صدور بيان عن القوى التي كانت قد بدأت التجمع في المركز. بيان يستبقونه بدعوة يوجهونها عبر إحدى الوسائل الإعلامية التي كانت قد وصلت لتوّها إلى كل الشباب المسيحي للتوجه إلى المركز الرئيسي تحضيراً لتظاهرة عفوية تستنكر العملية.