strong>نادر فوز
الساعة الخامسة مساءً، بدأت الوفود الشعبية وبعض الشخصيات السياسية بالوصول إلى مستشفى مار يوسف. لم تتّضح بعد معالم عملية الاغتيال، لكن أمراً واحداً قد حسم: اغتيل بيار الجميّل.
عند مدخل قسم الطوارئ، تشق إحدى العجائز طريقها وسط الجموع الشبابية، تطلق شعارات كثيرة بلّلتها الدموع وعاقها شهيق البكاء والحزن. «متل عمّه بعده شاب، ما بيقتلوا إلا الصغار اللي بيفهموا»، صرخت وهي تمسح دموعها. لم تستطع، كالعديد من «المفجوعين»، تخطّي الحواجز البشرية التي أقفلت باب الطوارئ، فوقفت جانباً وراحت تذكر القضية والمشروع الوطني والمقاومة المسيحية وتاريخ الكتائب...
على الباب الداخلي لـ«طوارئ مار يوسف»، كان الغضب التعبير الأساسي لشباب الكتائب. عيون حمراء وأصوات محبوبة وهتافات تتّهم النائب ميشال عون بعملية الاغتيال. «عون قتل بيار، عون قضى على المسيحيين، عون خلّى حزب الله يصمد للآن»، وشعارات أخرى واجه بها أكثرية المشاركين عدسات الكاميرات. منهم من توعّد بالرد، ومن دعا «الحكيم» إلى الأخذ بالثأر والقضاء على أعداء لبنان.
الرئيس إميل لحود نال نصيبه أيضاً من الشتائم والاتهامات، فاتّهم بالقتل والسرقة والعمالة مع سوريا وإيران. ومنع عدد من «أمن الكتائب» الصحافيين والمصورين من الاقتراب إلى داخل المستشفى المؤدي إلى «جثمان» الجميّل؛ حتى إنّ أحدهم دعا إلى منع الـLBC من التصوير، «خوفاً على صورة الشهيد»، فتعرض بعض الصحافيين للضرب.
عند المدخل الأساسي للمستشفى، كان المشهد مماثلاً من حيث الشعارات والاتهامات، وكانت الجموع قد احتلّت الباحة الأمامية لـ«مار يوسف» والموقف. رفعت صور الشيخ الشهيد، وبعض الأعلام الكتائبية. «صاروا تلاتة من نفس العيلة» يردد أحد الشبان بغضب، ثم يضيف «مايا، بشير وبيار، تلاتتهم لنفس القضية». ثمّ يفقد سيطرته على أعصابه: «كلّه من عون، ترك المسيحيين وراح ورا حسن».
تغيّر شعار «بشير حيّ فينا» إلى «بيار حيّ فينا»، فقضية الـ«شهيدين» هي نفسها، لكن «ما حلّنا نفهم، وما حلنا نتوحد؟» يسأل أحد الغاضبين مشيراً إلى العماد عون وخروجه عن «الوحدة المسيحية التي يتم التلاعب بها منذ 1975». «بالأول كان القومي وهلأ العوني».
يخرج أحد الشبان «منهاراً». يقول البعض إنه كان أحد مرافقيه في يوم إجازة. يفرغ «الحارس» ما في قلبه من غضب وحزن: «استفردوا فيه، يا ليت أنا ومش إنت، ليش فرّصت أنا». يكرر هذه العبارات بشكل تلقائي، فيما يحاول الآخرون تهدئته.
يذكر أنّ عناصر من الجيش اللبناني والقوى الأمنية قامت بإقفال الشوارع المجاورة للمستشفى، رغم كثافة التجمعات الشبابية التي احتلّت معظم الممرات.
في النبعة كاد الأمر يشبه حاجزاً شبابياً، بحيث أقفل بعض الشبان الطرقات وحاولوا منع مرور السيارات إلا وفق «الزمور»؛ أحد سائقي «السرفيس» أطلق ذاك الخاص بالـ«حكيم»، فسهّلت أموره واجتاز «الحاجز البشري».
الطريق بين برج حمود والأشرفية خالية تقريباً من السيارات. أنباء عن قطع طرقات في التباريس وحرق مستوعبات النفايات، بثّتها إحدى الإذاعات. لكنها لم تأتِ على ذكر ما جاء في ساحة ساسين حيث كان التجمع الشبابي الأكبر. «أنزلت» إحدى الصور الضخمة للعماد ميشال عون، وأحرقت. كان الغضب يلف الساحة، رغم انتشار الجيش.
زحمة السيارات في «ساسين» كانت ضخمة، سببها إقفال شوارع «التباريس» عبر مستوعبات النفايات وإشعال بعض الدواليب. الأمر نفسه عند «البيت المركزي للكتائب» في منطقة «الصيفي»، حيث أقفلت الطرقات المجاورة وتجمع عدد من أنصار «الحزب» أمام «بيتهم». كانت الإجراءات الأمنية من قبل الكتائبيين شديدة، حتى على الطريق العام على مرأى من القوى الأمنية.