أنطون الخوري حرب
رغم اعتزاله العمل السياسي، بقي رئيس الحكومة الأسبق الدكتور سليم الحص حاضراً في يوميات الحياة السياسية بنشاط لا يهدأ، يفتقر إليه معظم العاملين في الشأن العام

جديد الرئيس الحص على الصعيد الوطني مذكرة النقاط الثماني التي وقعها مع رؤساء الحكومات السابقين، والتي قال عنها في حديث لـ «الأخبار» إنها «المشروع السياسي العام الوحيد المطروح على الساحة لإنقاذ الوضع من التأزم الحاصل، بعدما بات الانقسام السياسي يشبه التمركز وراء المتاريس، حيث لكل طرف طرح جامد من دون بديل، بالتلازم مع انتفاء رغبة المتصارعين في الاجتماع».
ويرى الحص مؤتمر الحوار «نموذجاً للعقم السياسي بغياب التسويات والاتفاقات. فأقطاب الحوار كانوا قبل أن يجتمعوا متفقين على هوية شبعا وترسيم الحدود والعلاقات الديبلوماسية مع سوريا. كما أنهم كانوا وما زالوا مختلفين على رئاسة الجمهورية وسلاح المقاومة. أما الحوار المنتج والبنّاء فيكون في المؤسسات الدستورية ومن ضمنها، وإلّا اختزل أقطاب الطاولة المجتمع السياسي برمته وهذا أمر منافٍ لأبسط أصول الديموقراطية». ماذا تريد أميركا؟
ولا يرى الحص هامشاً كبيراً من حرية القرار للمتحاورين، «فقلّة منهم من دون ارتباطات خارجية، وهذا لا يعني بالضرورة التبعية. لكن الضغط الخارجي يجد نفسه في الداخل في ظل هذه الارتباطات»، فالولايات المتحدة الأميركية برأي الحص مثلاً «تريد كل شيء عبر لبنان وليس منه أو له، وهي تبغي من وراء ذلك تنفيذ خططها لكل من فلسطين وسوريا والعراق». وإذا كان من علامات استفهام يطرحها عن العلاقة مع سوريا وإيران، يؤكد الحص «أن مثل هذه التساؤلات منتفية لدى أميركا التي حرّضت وغطّت سياسياً وإعلامياً وديبلوماسياً العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان بحجة حق إسرائيل بالدفاع عن النفس».
ويجيب الحص عن سؤال عن وسائل تغيير الوضع القائم، بتأكيد عدم جدوى اللجوء إلى الشارع الذي يقابله دوماً شارع آخر “فوضع البلاد أمنياً هشّ والمؤسسات الأمنية بحاجة إلى الكثير من الإصلاح والتحصين من خلال الإعداد المنهجي والعلمي للعمل الأمني، وفي ظل الفكر المؤسساتي الذي يسود دولة القانون المنشودة. لا أحد بإمكانه أن يضمن انضباط الشارع في الظروف التي تمر بها البلاد”.
الاستقالة خطأ
أما عن احتمال استقالة 57 نائباً من المجلس، فيرى الحص في هذا التوجه «خطأً جسيماً لكون المعارضة تطالب بقانون انتخابي جديد يجب أن يقره المجلس الحالي». أما عن تصوره للقانون الانتخابي العادل، فيعبّر عن أمنيته بأن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، لكنه يستدرك بقبول تقسيم الدوائر على أساس المحافظات الخمس «نظراً لصعوبة تطبيق الدائرة الواحدة، على أن يكون أي من التقسيمين مرتكزاً على قاعدة النسبية».
وفي الوضع الداخلي يرى رئيس الحكومة الأسبق أن مسؤولية وصول البلاد إلى هذه الأوضاع المتردية تقع على فريق الأكثرية، ويأسف لعدم بحث الحكومة والمعارضة عن حل. إلا أن الوضع العام بنظره «ليس خطيراً للغاية بالاستناد إلى نسبة الوعي الموجودة لدى المواطنين التي تحول دون تحوّل التشنج إلى فتنة». ويطمئن «إلى إدراك المسلمين السنّة أن الانقسام المذهبي سخيف»، فهم متفقون مع إخوانهم الشيعة على الفرائض الخمس. ويذكّر بأن الأزهر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أصدر قراراً يعرّف المذاهب الإسلامية الخمسة بأنها: المالكي، الشافعي، الحنفي، الحنبلي والجعفري، «وكل ما عدا ذلك يعدّ عصبية قبائلية، وقبائل العصر هي الطوائف».
وفي ظل انسداد الأفق السياسي يعوّل الحص على مذكرة رؤساء الحكومات السابقين التي تعالج محاور الأزمة من نتائج العدوان الإسرائيلي الأخير إلى اللغط حول دور وصلاحيات القوات الدولية وسلاح المقاومة، الى ازمة رئاسة الجمهورية و الانتخابات إلنيابية المبكرة وفق قانون جديد، واستطراداً إلى النظام الديموقراطي التوافقي وعروبة لبنان، ومن ثم صيغة المحكمة الدولية والحوار الوطني.
ويروي الحص بتأثر لقاءه أخيراً مع الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله بشيء من الوجدانية التي طبعت السلام والعناق في مكان لا يعلمه ولا يتذكره، إلا أن أهم نتيجة خرج بها من هذا اللقاء هي تأييد السيد لمذكرة الرؤساء السابقين بالكامل، كما يبدي الحص سروره باتصال العماد ميشال عون به ليعلن له أيضاً تأييده لبنود المذكرة .
ويبدي الحص اعتقاده بأن أزمتنا اللبنانية تنتهي عندما نتصرف كشعب لديه قضية وعدو مشترك، ونحن مختلفون على الاثنتين. قضيتنا هي الوحدة الوطنية، واستتباعاً اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي، فلدينا لغة واحدة وثقافات واحدة بخلاف أوروبا، كما لم تكن بيننا حروب عالمية، بل مصالح مشتركة ومصير واحد. إذاً نحن أولى بالاتحاد بدءاً بسوق عربية مشتركة وتكون بيروت عاصمة هذا الاتحاد أي بروكسيل العرب.
وعن استحقاق الانتخابات الرئاسية أعلن الحص ترشيحه لرئيس «كتلة التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون لهذا المنصب، مؤكداً أنه إلى جانبه بشدة ككل الذين يؤيدونه، “فعون يملك رصيداً شعبياً ولديه برنامج لبناء الدولة وخطابه السياسي وطني لا طائفي وهذه مفارقة عند الزعماء الشعبيين في لبنان، لكن من هو ضده هو أيضاً ضده بشدة”، لكنه رأى أن عون قد يحتاج إلى العمل على ميثاق توافقي، وإلا فإنه حتى لو أصبح رئيساً فسوف ينتهي إلى وضع مشابه لوضع الرئيس إميل لحود من حيث قوة ممارسة الحكم”.
من يراقب الدكتور سليم الحص وهو يستعرض واقع الحال العامة للدولة والمجتمع، فلا بد أن يلاحظ حجم المرارة التي يشعر بها هذا السياسي المخضرم جراء الفشل المتراكم في الوصول إلى العيش الحضاري لشعب يكافح من أجل الحياة الحرة، في مقابل كل جولات التراجع إلى حد الموت القدري الذي حاول أربابه جعل الساحة الوطنية ساحة دائمة له. ويشعر الناظر في عينيه وهو على عتبة العقد التاسع، أن قوة الحلم لم تمت فيه رغم معاكسة الظروف له في المراحل التي كان فيها على رأس السلطة. وحين تسأله عن المكان الذي يرى فيه استمرارية حلمه يجيبك بهدوء: “أنتم ومن يأتي من بعدكم”.