جوانا عازار
التعدي على الأملاك البحرية في لبنان مخالفة قديمة جديدة. نافذون وسياسيون يُحكمون قبضتهم على طول الشاطئ اللبناني وتستفيد جيوبهم دون خزانة الدولة من موارده، ولا من يتحرك. وإذا ما أثير الموضوع، فالدافع يكون بيئياً من قبل الجمعيات المعنية والنتيجة عندها معروفة سلفاً، أو سياسياً لأسباب استفزازية ونفعية ضيقة

محرم على اللبنانيين ارتياد شواطئهم من دون مقابل، فانتشار المنتجعات والمجمعات الضخمة والشاليهات الخاصة المخالفة التي اكتسحت الشاطئ تحول دون ذلك. ومحرم على خزانة الدولة الاستفادة من الموارد الضخمة التي يجنيها محتكرو استثمار الشاطئ اللبناني.
يعاني الشاطئ اللّبناني، الممتد على طول 225 كلم من رأس الناقورة جنوباً حتّى العريضة شمالاً، احتلالاً شبه كامل من نافذين أحكموا السيطرة عليه. بعض منهم شارك في الحكومات التي تعاقبت منذ الاستقلال حتّى اليوم، والبعض الآخر من عداد حاشية السياسيّين يغطّي أعمالهم ويتولّى إبرازهم على أنّهم وجهاء هذا البلد على حدّ قول أحد النوّاب السابقين.
ويقول متابعون للملف “انّها مسألة مصالح مشتركة، فالسياسيّون يحمون القوى الأمنيّة المولجة الاشراف على هذه المخالفات في لبنان. والأوقح أنّ بعض هؤلاء المعتدين يستهلك الكهرباء بطرق غير مشروعة كي لا نقول بالسرقة، ويمتنع قسم منهم عن دفع الضرائب والرسوم حارماً الدولة وخزانتها من أموال طائلة. حتّى انّ سكّة الحديد التي كانت تربط لبنان وسوريا أصبحت جزءاً من أملاكهم وأزيلت معالمها نهائياً”.
وعلى الرغم من إثارة كثيرين لهذه القضيّة خلال الحكومات المتعاقبة، الا انها لم تتمكّن من تطبيق القانون وازالة التعدّيات القائمة، فلا تسويات تمت ولا أموال شقت طريقها الى خزانة الدولة، حتى باتت من المحرمات في لبنان شأن موضوع الكسارات، فالحكومات تناوبت على ذكرها في برامجها الوزاريّة، لكنّ أية حلول عملية لم تبصر النور، على رغم أسئلة عدّة وجّهها نواب الى الحكومة عبر رئاسة مجلس النوّاب عن التعدّيات على الأملاك البحريّة والنهريّة.
تقديرات عائد تسوية الأملاك البحريّة متفاوتة: النائب الراحل وديع عقل قدّرها مراراً بـ 6 مليارات دولار، وقدّرها وزير المال السابق د. جورج قرم بـ 350 مليار ليرة، فيما قدّرها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عندما كان وزيراً للمال بـ 40 مليار ليرة. ومرد هذا التباين الاختلاف في تقدير سعر الأرض وكيفيّة احتساب الرسوم وتوزيعها على السنوات الماضية.
القانون الذي يرعى تنظيم الشاطئ وحمايته من التعدّيات، أصدرته الدولة عام 1966، وحدّد المرسوم 4809 نظاماً للبناء والفرز والضمّ والاستثمار والارتفاع الأقصى المسموح به، وحصر تخصيص جزء من الشاطئ للاستثمار في حالات معيّنة منها أن يكون المشروع ذا صفة عامّة وألا يكون عائقاً أمام وحدة الشاطئ. على رغم ذلك، تزدهر عمليّات ردم الشاطئ وخصخصته وإقفاله أمام العموم في العديد من المناطق بحجّة تشجيع السياحة والاستثمار كما في الناعمة، الجيّة، صيدا، وجبيل وغيرها.
كل هذه الخروق دفعت العديد من الجمعيّات الى مطالبة الحكومة ومجلس النوّاب باتّخاذ القرارات المناسبة للجم التعدّيات على الأملاك العامّة البحريّة ومعاقبة من يجرؤ على التعدّي عليها لتحقيق المنفعة الخاصّة، من طريق ازالة التعدّي وانزال عقوبة ماليّة بمفعول رجعي على كلّ السنوات السابقة، اضافة الى وقف الأرباح المقدّرة لهذه المشاريع إذ كانت بغالبيّتها لا تدفع الضرائب على أرباحها. ومن المؤكد ان الأضرار الناجمة من التعديات لا تتوقف عند هذا الحد، فهناك الضرر الذي لحق بالبيئة البحريّة والذي لا يمكن أن يعوّض بمبلغ مالي، وقدّرته بعض المصادر الرسميّة منذ سنوات بنحو 200 مليون دولار.
وفي جلسة عقدها مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، بتاريخ 27-04-2006 في مبنى المجلس الاقتصادي ــ الاجتماعي، وافق المجلس على مشروع قانون يرمي الى تسوية المخالفات في الأملاك البحريّة، ليحال على المجلس النيابي لمناقشته وفق الأصول المعتمدة، ومن ثمّ في أسرع وقت ممكن على الهيئة العامّة لبتّه واصداره في شكله النهائي حسب ما جاء في المقرّرات الرسميّة للجلسة.
وأبرز ما جاء في نص مشروع القانون: “يوجب المشروع على كلّ من يشغل مساحة من هذه الأملاك بدون ترخيص قانوني إخلاءها”، لكنه يحدد في المقابل في المادّة الثانية التعدّيات القابلة للتسوية ويسمح بالإشغال المؤقت لهذه الأملاك، اعتباراً من تاريخ صدور هذا القانون، ضمن مجموعة من الشروط، منها أن يكون الإشغال قد حصل قبل 1/1/1994، وألا يكون قد أدّى إلى الإضرار بالمواقع الأثريّة والتاريخيّة والبيئيّة، أو أحدث خطراً على السلامة والصحّة العامتين، أو على سلامة الطيران المدني، وألا يتعارض مع وجهة الاستعمال المخصّصة له.
وتحدد المادة الرابعة الحالات والشروط التي تُعالج بموجبها التعديات ويُسمح بالإشغال المؤقت، ومنها: الأملاك العمومية البحرية المشغولة إذا كان العقار المتاخم لها ملكاً عاماً أو خاصاً للدولة أو للمؤسسات العامة أو للبلديات، أو اذا كان شاغلها لا يملك عقاراً خاصاً متاخماً أو حائزاً حق ايجار أو استثمار عليه،...