ابراهيم الأمين
يفتح مهرجان التيار الوطني الحر غداً الباب أمام مرحلة جديدة من المواجهة الداخلية. كل الحملات المسبقة وكل الكلام الذي يندرج في باب النكات او الجد لا يغير في واقع الأمر، وهو ان محاولات فريق الاكثرية لإنعاش الحليف المسيحي المتمثل في “القوات اللبنانية” تنفع فقط بين جمهور “المستقبل” أو جمهور “الجمهورية الاشتراكية العظمى”، لكنه لن ينفع في المكان الاصلي حيث أنجز المسيحيون، وربما قبل غيرهم من الطوائف اللبنانية، أكبر عملية مراجعة لما حلّ بهم من ويلات الحرب الاهلية، واختاروا طريقاً هي الاقرب الى حماية المشروع السياسي للبنان الصغير ودمجه في لبنان الجديد الذي يتصل بدور عربي مهما حاول “الانعزاليون الجدد”، مسيحيين كانوا أو مسلمين، العودة بلبنان الى ايام شارل مالك. لكن هذه المراجعة ليست من النوع الذي يجعل المسيحيين في قلب المعركة من دون شركاء حقيقيين من الطوائف الاخرى. وإذا كان المرض اللبناني قد اصاب مقتلاً من قوى اليسار والتيارات العلمانية التي تعرضت للنهش خلال سنوات الحرب على أيدي “الطوائف الوطنية”، فإن الوصول الى حل وسط عنوانه الدولة المدنية لا يمكن قيامه إلا على رفات التقليد القديم والمجدد أو المستنسخ الذي حكم البلاد ونهبها منذ تاريخ قيامة لبنان الكبير.
كل واحد يصل الى مهرجان التيار الوطني الحر غدا له ثلاثة يستمعون الى صوت هتافه في المنزل القريب، وله اربعة ينظرون إليه كمرآة في المنزل البعيد. وسوف يعكس الاحتفال روحاً هي الاكثر حيوية في بلاد ما بعد الطائف بوجهيه السوري والأميركي، أي بلاد الساعين او الحالمين بفرصة التخلص من عبء التبعية الموجودة في كل حرف من بيانات قوى التقليد المتحكمة بطوائف لبنان وأحزابه، من تجمعي 14 آذار و8 آذار على السواء. وكل محاولة لتعطيل الحيوية السياسية لاحتفال غد لن تفيد في كسر مرآة الشارع الذي قرر أن يتغيّر في أصعب لحظات لبنان. أما النفخ بالاموات كما تفعل نشرة وليد جنبلاط اليومية او تلك التي تصدر بين وقت آخر مليئة بـ“العزة والصفاء” كما هي حال صندوق المهجرين، فلن يوفر الحياة لمن غادرها اصلاً. هل سمع أحد أن ميتاً عاد الى الحياة؟
على اي حال، فإن الترقب السياسي لمهرجان التيار الوطني الحر الأحد، يأخذ في عين الاعتبار عدة امور أبرزها:
اولاً: تثبيت العماد ميشال عون لتفوّقه الشعبي بين المسيحيين، وتمايزه الدائم عن القوى والاقطاب الذين يعتاشون من قوت الأكثرية وسلطتها الظالمة، وقدرته على تحمل “ظلم ذوي القربى” من رجالات الكنيسة الذين يخشون انفراط عقد التسويات التاريخية بين المؤسسات الدينية والسياسية للطوائف الكبرى.
ثانياً: تثبيت العماد عون وتياره لكونه الوعاء الصالح لضم كل المجموعات المسيحية التي تعاني تهميشاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من قبل السلطة الحالية كما من قبل من سبقها الى تدمير التواصل الحقيقي بين اللبنانيين.
ثالثاً: تثبيت العماد عون القدرة على تحويل تفاهمه السياسي مع “حزب الله” وما يمثله الأخير، الى قوة قابلة للحياة والتفاعل باعتبارها حقيقة لا امراً مفروضاً من فوق، من عند دجالي المصالحات الوهمية. هل دقق هؤلاء في نوعية العلاقات التي قامت بين النازحين ومن احتضنهم كفعل متكامل لا كشفقة ومحاولة رسم صورة القديس على وجه مجرم.
رابعاً: تثبيت المنطق السياسي الذي يقول لقوى الاكثرية أولاً (جماعة 14 آذار)، ولخصومها من المسلمين ثانياً (أمل وحزب الله) وللسفارات العربية والغربية، ان استمرار التعامل مع الملف اللبناني على قاعدة أنه مسرح مواجهة بين مسلمين فقط، لا يعني إلا امراً واحداً هو ان اي استقرار فعلي لن يقوم في لبنان، وان محاولة تجاهل الشريك المسيحي القادر على التحول الى شريك وطني لا تعني سوى تأجيل الانفجار لبعض الوقت لا اكثر. ألا يسأل أرباب الطوائف، على اختلاف انتماءاتهم، عن سبب تمتع عون بشعبية جدية عند غير المسيحين بخلاف البقية المنزوية بين جنبات طوائفها ومذاهبها؟
الى جانب ذلك، سوف يثبت الاحتفال وما يتضمنه من مواقف، أن فكرة التسوية العرجاء لن تفيد في معالجة اصل المشكلة، وأن محاولة التوصل الى تسوية على طريقة ما كان يقوم به السوريون زجراً لترويكات الحكم المتعاقبة وتوابعها، لن تفيد في التوصل الى هدوء يحتاج إليه لبنان، وأن أي محاولة لتجاوز الأمر لم تعد ممكنة لأسباب عدة سوف يكشف عنها التضامن الاهلي مع مهرجان الأحد، منها أنه لا شرعية شعبية لأي تسوية يقدم عليها حزب الله على طريقة التحالف الرباعي، حتى شعار حماية المقاومة لم يعد ممكناً من خلال تسوية كهذه أنتجت أكثرية تحلم حتى اللحظة وتعمل لصدور قرار جديد عن مجلس الأمن يفرض عزل لبنان عن كل شيء من حوله من خلال تصفية المقاومة اولاً، ثم إنه لا شرعية سياسية لأي تسوية ينخرط فيها حزب الله او الرئيس نبيه بري مع أكثرية تعرف المهادنة لبعض الوقت وتعرف الانقضاض على طريقة “غب الطلب” حيث المشاريع الاميركية والفرنسية تتوالد يوماً بعد يوم، كما لا شرعية أخلاقية لأي تسوية تحاول ان تفرض على المسيحيين مشاركة “ذمية” كالتي يكرّسها اليوم سلوك “مسيحيي الاكثرية” وقواهم الاقتصادية. وأخيراً، لا شرعية دستورية لأي محاولة لفرض نسخة جديدة من اتفاق الطائف، حتى يصح القول إن “سوء تطبيق الطائف من قبل السوريين كان طريقة في تطبيق الاتفاق، وسوء تطبيق الطائف على يد سياسيين شرهين لسلطة فارغة جوفاء هو نوع آخر من تطبيق اتفاق الطائف”.. وإلا فإن لبنان سوف يتجه الى معركة هي الاقسى من كل ما عرفه سابقاً. وساعتها لن يبقى طائف ولا أكثرية ولا من يحزنون.
على ان المشهد الاكثر حميمية هو المتصل بعلاقة العماد عون مع تياره ومع آخرين سوف يحضرونه في المكان وفي المنازل وهم يعتذرون طوعاً عن خطأ تركه وحيداً يوم تنادى الأشرار عليه من كل العالم طالبين رأسه. ومع ذلك، فإن مجرد إغاظته الفاسدين في السياسة وفي الأخلاق ترفعه شأناً اضافياً. وكما جاء في رسالة إعجاب من قارئ لزميل لنا يمكن التوجه الى عون بالقول: “غرّد وأطربنا.. أما الصم والبكم فندعو لهم بالشفاء”!