غسان سعود
لم يُعر العونيون اهتماماً لقرار إلغاء الاحتفال بذكرى 13تشرين بسبب سوء الأحوال الجوية ، فضاقت بهم الأوتوسترادات والساحات وكأن كل شيء ما زال على حاله، فكانوا مدفوعين بفرح انتصارهم على 13 تشرين، والطقس العاصف، وجميع الذين شككوا بثبات شعبية العماد ميشال عون.
وصلت الحشود إلى ما بعد الدورة من جهة، وما بعد بعد جونية من الجهة الثانية. وتحولت بلدات المتن بساحاتها وشوارعها وأزقتها مساحة برتقالية، امتلأت بالهتاف للعماد الذي نصَّبه أنصاره رئيساً للجمهورية.
عند الساعة السابعة صباحاً، اتخذ القرار بإلغاء الاحتفال. وأجريت الاتصالات بمنسقي الأقضية والبلدات الرئيسية لإبلاغهم القرار. لكن أهالي حراجل من جهة كسروان، وطلاب اليسوعية من جهة الأشرفية، وأبناء المتنين من جهة ثالثة كان لهم رأي آخر، فانطلقوا كلٌّ من حارته بمواكب سيارة، وفجأة بدأ العدد يرتفع ويرتفع، حتى أصبح بالآلاف قبل أن تبلغ الساعة العاشرة صباحاً.
وزع العونيون آلاف السندويشات «نكاية بالنكات الساذجة. وطعَّم أهالي حراجل التفاح فكان برتقالياً، ووزعوا حسب أحدهم أكثر من خمسمئة كيلو تفاح، تقدمة من أحد مزارعي البلدة.
لا يخفي العونيون دهشتهم من ضخامة العدد. هناك طالب يؤكد أن أبناء زحلة ومرجعيون وعكار والبترون وزغرتا لم يحضروا وعادوا أدراجهم. وهناك طالب يشير إلى الحشد ويؤكد أن المسيحيين عددياً بألف خير. وهنا لافتات تقول: «الأمطار البرتقالية تغسل فساد الماضي والحاضر والمستقبل»، وتسأل: «هل يا سيادة البطرك عند المسيحيين فئة أولى وفئة ثانية وفئة ثالثة». وتكمل متوجهة للبطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير بالقول: «إن ما عجز عن تحقيقه أعداء المسيحيين في دهور، حققته يا سيادة البطريرك في سطور». وفي سياق آخر، كتب على لافتة «سرقوا السلطة.. فلن نتركهم يسرقون لبنان». وعلى أخرى، «كابوس الحق باق إلى دهر الداهرين».
حضر عسكريون متقاعدون كانوا في الجبهات يوم 13 تشرين الأول قبل ستة عشر عاماً، وأمهات الشهداء اللواتي رقصن بصور أبنائهن الأبطال، للمرة الأولى ربما. حضر أطفال ومراهقون وشباب لم يعرفوا، إلا أمس، معنى الحالة العونية، وكيف يتفاعل الناس الغرباء فجأة مع بعضهم، فيرقصون ويهتفون ويرددون أغاني حفظوها من دون قصد. هكذا، عادت البارحة، «عونك جايي من الله»، و«لو سلموك القيادة من 14 سنة»، و«رح نبقى هون مهما العالم قالوا». وبدت جميعها جديدة، كأنها صنعت خصيصاً للمناسبة. وكان الحضور بغالبيته الساحقة، مسيحياً. وحضر إلى جانب العونيين، مئات المؤيدين لتيار المردة، ومناصري «التنظيم» و«حراس الأرز» و«حزب الله».
المشهد من بعيد، غريب وغير متوقع، رعدٌ وعواصف وأمطار غزيرة، والناس يتدفقون. يؤكد المنظمون أن العماد عون لن يحضر ولن يتمكنوا من نقل كلمته مباشرة، لكنهم يصرون على البقاء، ليس في داخل سياراتهم، بل خارجها، تحت الأمطار. أبرز الوفود أتت من عاليه. يقول سيزار أبي خليل أحد الذين تقدموا الموكب، إنهم انطلقوا من بليبل، بقرابة ثلاثين سيارة. ومن حومال مروراً ببدادون ووادي شحرور وصولاً إلى بطيش والكحالة، قفز العدد إلى أكثر من خمسمئة سيارة.
ظهراً، التحق بعض نواب «تكتل التغيير والإصلاح» وقياديي «التيار الوطني الحرط بالحشد. وتوجه المئات نحو النائب إبراهيم كنعان والقياديَّين جبران باسيل وفايز كرم. البعض يريد التقاط صورة له معهم، والبعض يريد الحصول على توقيع، أو قبلة أو تقديم وردة. أما المنسق العام للتيار الدكتور بيا رفول فقال وسط آلاف العونيين: «إننا هنا اليوم لنؤكد أننا سنكمل الطريق التي بدأها الشهداء، فاللبنانيون الشرفاء رفضوا كل الترغيب والترهيب الذي تعرضوا له».
وقال إن الحشد هو الأكبر في تاريخ لبنان لأنه تم رغم كل الظروف الصعبة ورغم الإعلان عن تأجيل المهرجان.
ولم يفوّت الشاعر سعيد عقل المناسبة، فقال في كلمة سجلتها إذاعة «صوت الغد»، وكررتها مكبرات الصوت في الضبية عشرات المرات: «الناس منتظرة من الجنرال إنو يكون المنقذ الوحيد لها الوطن». وأضاف: «الجنرال هوي شرف وهوي بطولة، الشرف والبطولة اللي بيضلو ذاكرينا اللبنانيين عنو للأبد. ها الرجل عطية للبنان، الله عطاه للشعب بهالعصر، لأنو هالشعب بيستحق قايد متلو».
هكذا، مرت الساعات، السماء تمطر مياهاً، والتيار يمطر مؤيدين، غابت الشمس خلف الغيوم الكثيفة، والبرتقاليون ما زالوا يعانقون البحر من جهة و«جبلهم» من جهة أخرى. ومع إنهاء العماد ميشال عون كلمته، كان ثمة وعد جديد ينتظرونه، لقاء قريب، قريب جداً.