ليلى رمال
كثيرة هي المواقع التي تهمّش فيها المرأة في لبنان. وللأمر انعكاسات سلبية على أكثر من مستوى. جهاز قوى الامن الداخلي واحد من هذه المجالات على رغم اشتراط القانون وجودها عنصراً أساسياً وتحديده مهمات خاصة لها

تمتنع احدى الفتيات اللواتي يتعرضن للاغتصاب باستمرار عن تبليغ قوى الأمن، لجملة اسباب أبرزها انعدام ثقتها بأي رجل، وتجنباً لصعوبة تقبّل مثولها في المخفر، خصوصاً عندما يطلب منها سرد روايتها المحرجة أمام المحققين الرجال، فهي قد لا تتحمّل أسئلة قد تعتقدها استفزازية أو ابتسامة تراها ساخرة.
أن لا تصل المرأة في السياسة إلا عبر عباءة رجل إو في ثياب العزاء امر قابل للاستيعاب، وأن لا تصل لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع الذكوري والامتيازات السياسية معقول أيضاً، لكن غيابها عن الأمن والدور الفاعل فيه، وخصوصاً في قوى الامن الداخلي، أمر غير مبرر. وذكرت المادة 216 من قانون قوى الأمن التي تتناول عملية التفتيش ما يأتي: “إن الغاية من تفتيش الاشخاص هي التثبت مما إذا كانوا ينقلون مواد يحظر القانون نقلها، ويمكن أن تتناول عملية التفتيش جسد الشخص والملابس التي يرتديها دون استثناء، والاشياء التي ينقلها والمركبة التي ينتقل فيها”. وتتابع المادة، وهنا الشق الذي يعنينا: “لا يجوز أن يفتش النساء جسدياً والالبسة التي يرتدينها الا نساء”. هذا في القانون. أما الواقع فمغاير كلياً، لأنه لا وجود للمرأة في المخافر والدوريات التي تجري التوقيفات والمداهمات، ولا في التحقيق والتحري.
فلا أسباب مقنعة تبرر غياب المرأة عن هذا الجهاز، والسؤال: ما الهدف منه وما هي الاعتبارات التي تمنع تحقيقه؟
مصادر قوى الأمن نفت لـ“الأخبار” تغييب المرأة عن هذا الدور أو المهمة، والدليل وجود حارسات في سجون النساء ومفتشات في المطار، وحديثاً في قصور العدل. وتوضح أن دورات التطوع الاخيرة، التي اعلن عنها والتي حالت الظروف الاخيرة دون متابعة إجرائها، لم تقتصر على الذكور فقط بل شملت الإناث أيضاً. وفي ما يتعلق بتفتيش النساء الموقوفات مثلاً، يؤكد المصدر أن الموضوع “من المسلّمات، ففي مثل هذه الحالات تُطلب سيدات من أجل التفتيش ولا مجال للتلاعب في هذا الاطار، وإذا أقدم عنصر أمن (ذكر) على تفتيش موقوفة، يفتح تحقيق في الموضوع. وهذا ليس بأمر جديد في قوى الأمن بل هو متّبع منذ فترة طويلة”.
غير أن تأكيد المصادر أن المرأة موجودة في بعض مواقع قوى الامن لا يعني أن وجودها معزز وبالشكل المطلوب، ففي المخفر لا وجود لعناصر نسائية، والذين يحرسون نظارات التوقيف هم رجال، كما أن المحققين هم من الرجال... والمرأة يستعان بها عند الحاجة فقط، وغالباً ما يكون وجودها ناتجاً من تعاقد مع المؤسسة، بمعنى أنها ليست موظفة مثبتة، وإذا ما تم تثبيتها فيكون ذلك بعد فترة زمنية محددة.
مصدر امني رفيع استهلّ، بدوره، الحديث عن الموضوع بالاشارة الى أن دورات التطوع التي كان من المقرر إجراؤها، خصصت للإناث والذكور معاً، ولفت الى أن اللجان ما زالت مستمرة في عملها، و“المشروع جمد لكنه لم يتوقف”، وأوضح أن عدداً لا يستهان به من الإناث يعمل في وحدة الادارة المركزية وهيئة الاركان. ولا ينفي هذا المصدر أن التحقيق مع السيدات يختلف عنه مع الرجال، “فالسيدة ترتاح في الحديث مع سيدة مثلها اكثر من رجل، ولا سيما في مواضيع معينة”، ويبدي أسفه لأنه “لا وجود للمرأة في مراحل التحقيق”.
وعن الاسباب التي تؤدي الى غياب المرأة عن التحقيق، اوضح المصدر أن ما من اسباب فعلية، لكن كل ما في الامر تأخر المضي في الموضوع، ويقول: “حالياً يجري الاعتماد على الذكور المجازين في الحقوق من أجل إجراء التحقيق، وعملياً ما من شيء يمنع وضع فتيات مجازات في الحقوق في الموقع نفسه”. وإذا كان يجري فصل الموقوفين الذكور عن الإناث في نظارات التوقيف، يلفت المصدر الى أن هناك نظارتين في كل مخفر عموماً، ويفصل الموقوفون حتى لو كانا زوجين موقوفين بجرم مشترك. أما في موضوع التفتيش، فيبدو أن هناك مخالفة لنص المادة 216 من قانون تنظيم قوى الامن الداخلي، وفي هذا الاطار يقول المصدر: “الرجل (نفلّيه) اما السيدة فنكتفي بتفتيش حقيبتها وملاحظة شكلها العام فقط”.
وعن امكان حصول خلل امني في ظل عدم تفتيش السيدات ، يجيب: “في اوقات قليلة يمكن حصول خلل امني، لكن عموماً المرأة الشرقية لا تهوى المشاكل، وليست صاحبة حرية مطلقة كما هي الحال في الغرب، فتنصرف اكثر الى الاهتمام بشياكتها وأناقتها”.
الجمعيات التي تعنى بقضايا المرأة وتطالب بمساواتها مع الرجل في لبنان لا تعدّ ولا تحصى، لكن اللافت أن أيّا منها لم تسلط الضوء مباشرة على هذا الموضوع. دائماً يجري الحديث عن إقصاء المرأة وممارسة العنف عليها، لكن لم يطالب احد بتعيين محققات من النساء مثلاً.
رئيسة اللجنة الاهلية لمتابعة قضايا المرأة امان شعراني، تشير الى أن المطالبة بمشاركة المرأة في السلك العسكري ليست بجديدة ، وتوضح أن الجمعيات التي تعنى بشؤون المرأة طالبت منذ فترة طويلة بإخضاع المرأة للتجنيد الاجباري، لكن الحجة كانت ان لا ميزانية مخصصة لذلك. وترى أن وجود المرأة في الامن العام وفي الجيش، ولا سيما في الاطار الإداري مقبول الى حد ما، ومن الضروري تعزيز وجودها في قوى الامن الداخلي.