ابراهيم الأمين
يتقدم التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. والنقاش القائم حالياً لا يتصل أبداً بما كان عليه الوضع يوم انطلق التحقيق. لكن الأمر لا يتعلق بالاساس القانوني للعمل بقدر ما يتعلق بتصفية شوائب من التحقيقات التي كانت تغطية لخطوات سياسية وأمنية بعضها يتصل “تكتيكياً” بالتحقيق، وبعضها الآخر يتصل باستثمار التحقيق نفسه في المعركة السياسية القائمة داخلياً أو مع سوريا. لكن ما كان يميز المرحلة الماضية لم يكن متصلاً فقط بحركة الفريق الاكثري، بل أيضاً في ابتعاد قوى المعارضة الفاعلة على الدخول في سجال حول ما يجري على هذا الصعيد، برغم ان المعطيات التي تسربت او التي تم جمعها طوال الفترة الماضية لا تكفي لتنفيذ أحكام سياسية واتخاذ إجراءات سياسية بحق احد، كما لا تبرر الاعتقال التعسفي الحاصل لمجموعة من المسؤولين الامنيين السابقين.
لكن بعض فريق الاكثرية ولا سيما وزير الغرفة السوداء يبشر الآن بما كان يفعله قبل سنة. وهو “يعد” اللبنانيين بمفاجآت من نوع إصدار مذكرات توقيف وجاهية بحق عدد من الضباط والسياسيين وحتى شخصيات تتمتع بالحصانة النيابية بسبب توافر أدلة على تورطهم في الجريمة، كما يشير الى “لائحة طويلة” من الاسماء السياسية والامنية السورية التي سوف تتحول الى عناصر مطاردة إذا لم يتم توقيفها او جلبها الى المحقق الدولي. ومع ان احداً من المتابعين للتحقيقات لا يدلي بأي معلومات عمّا آلت إليه الامور، الا ان الوزير نفسه يتحدث عن معطيات تشير من جديد الى ان مصدرها إما اجهزة استخبارات خارجية او هي موضبة ومعدة ضمن إفادات شهود جدد كحال الذين امسكوا بخيوط التحقيق وحرية البعض منذ زمن.
ومع ان فريق المحامين الذي يتولى الضباط الاربعة لا يشير الى وجود اي سؤال في جلسات الاستجواب ولا في اوراق الملف بما يدين الموقوفين، وان الامور لا تزال عند الافادات الاولية لمحمد زهير الصديق وهسام هسام، الا ان المراجع القضائية اللبنانية تتباين جزئياً في التصريح عما لديها. فمن جهة يمتنع النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا عن الإدلاء بأي كلام او عن تقديم اي شرح لواقع الحال. لكنه يصر على ان التوقيفات الحاصلة لها ما يبررها قضائياً ولا تتصل ابداً بالبعد السياسي، وهو الامر نفسه الذي يردده القاضي الياس عيد مع اضافة من النوع الذي يسر به همساً بأن ما لديه حتى الآن لا يتيح له إعداد قرار ظني وان مصير الموقوفين لا يزال رهن قرار لجنة التحقيق الدولية. وفي الحالتين يرفض وكلاء الموقوفين الامر، ويعتبرون انهم جردوا حتى من حقوقهم الدفاعية وان الموقوفين لا يعرفون حتى اللحظة سبب إبقائهم في السجن لأكثر من سنة دون اي مواجهة بشهود او بأدلة. ويعتبر هؤلاء ان الكلام على الادلة والملف برمّته لن يفتح الا امام المحكمة الدولية بأنه “استخدام متعسف للقانون” ولا سيما ان التحقيقات التي جرت حتى الآن لم تتغير ابداً عن تلك التي جرت في اليوم الاول قبل التوقيف، بينما حصلت تراجعات سواء من قبل شهود عن افادات او من قبل الللجنة الدولية عن سلطة التوصية بالتوقيف او عدمه. كذلك تكشف التحقيقات بطلان العديد من الاتهامات ومنها ما يتصل بالفحوص المخبرية والادلة الجنائية او ما يتعلق بملف الاتصالات والتدقيق المالي.
ومع ان السلطة السياسية تقول إنها ممتنعة عن التدخل في شؤون القضاء، ولا سيما العدلي منه، فإن قوى سياسية كثيرة سعت وأجرت اتصالات بالمعنيين في وزارة العدل او في قصر العدل. وكان النقاش على الدوام يتصل بالمناخ السياسي لهذه القضية. كذلك حصلت اتصالات بجهات دولية على صلة وثيقة بالموضوع، ربطاً بمعلومات موثوق بها مصدرها فريق التحقيق الدولي الذي كان يعمل مع الرئيس السابق للجنة التحقيق ديتليف ميليس وأفادت بالآتي:
1ـــ يقول ميليس انه قرر توقيف الضباط الاربعة ضمن اجراء تكتيكي يهدف اولاً الى “فرط” المنظومة الامنية التي كانت بحوزة هؤلاء أو تحت تأثيرهم وهم طلقاء، وان ذلك كان يجب ان يترك اثره المباشر على المساعدين والعاملين مع هؤلاء، وكان يفترض بلجنة التحقيق ان تحصل على كمية كبيرة من المعلومات المتصلة بالجريمة.
2ـــ يقول ميليس انه اقدم على هذه الخطوة في سياق مهني يهدف الى انتزاع معلومات من الضباط الاربعة تقود الى الخيوط الرئيسية في الجريمة، ولا سيما ما يتعلق بالتنسيق مع الاجهزة الامنية السورية، وانه اراد اجراء مقابلات بين ما يقوله هؤلاء وما يقوله الآخرون، بما يفيده في الحصول على “رؤية افضل”.
3ـــ يقول ميليس انه حصل على ما يكفيه من مناخات ومعلومات سهلت له التوصل الى خلاصات اولية من شأنها إتاحة الظن بسوريا.
إلا ان الجديد يتعلق بمناورة جديدة لم يعرف من يقف وراء فكرتها، وتتعلق بإفادات شهود جدد، بينهم الفلسطيني عبد الباسط بني عودة الذي يدعي أنه شارك في اجتماعات في بيروت والضاحية ودمشق مع الضباط الاربعة وتتعلق بالجريمة. وليس في ما علم من إفادته ما يشير الى جديد عن الذي سبق ان عرضه آخرون من الشهود. لكن ثمة شاهداً جديداً كشفت عنه التحقيقات وهو مواطن لبناني من آل سلهب ولكنه ليس في لبنان ايضاً، دون معرفة ما إن كان سفره دائماً او مؤقتاً. الا ان قاضي التحقيق العدلي لم يظهره في التحقيقات التي تجرى الآن، والتي لم يفهم المعنيون ما القصد منها سوى محاولة مد التحقيقات بطريقة توفر تمديد توقيف الضباط الاربعة من جهة وترك الامر مفتوحاً حتى يحين موعد المحكمة الدولية.
لكن الامر الجديد الاضافي يتعلق بدور رئيس اللجنة الدولية سيرج براميرتس الذي تقول مصادر واسعة الاطلاع في الأمم المتحدة انه ابلغ الامين العام كوفي انان انه لا يفكر بالبقاء في منصبه بعد تقديم تقريره المرتقب منتصف كانون الاول المقبل، وانه ينوي العودة الى منصبه في المحكمة الدولية. وإذا لم يكن براميرتس قد توصل الى خلاصات تمكنه من الحديث عن لائحة اتهامية فإن تعيين رئيس جديد وثالث للجنة يعني مد الملف برمّته الى ما شاء الله.. لكن هل تحصل مفاجأة ويعود ديتليف ميليس الى المونتي فردي؟