strong>فداء عيتاني
التلويح بعزل المفتي لإشعار «المستقبل» بأن الأمور ليست على ما يرام واستباق «الخط الإيراني ــ السوري»

يخرج مصلّون من صلاة الجمعة في مسجد قريطم. يختلفون. يقول أحدهم: «لا يحق للخطيب الدفاع بهذا الشكل عن مفتي الجمهورية»، فيردّ آخر: «لا يحق لأحد التعرض لمقام المفتي».
ثمة ما تسميه أوساط تيار المستقبل «حملة منظمة» على المفتي محمد رشيد قباني، تواجهها الأوساط نفسها بـ«حملة منظمة» للدفاع عنه، فلا تفعل إلا كمن يصبّ الزيت على النار.
رئيس «جمعية تعليم علوم القرآن الكريم» خطيب مسجد الاوزاعي الشيخ هشام خليفة استفزّه الحديث عن «ريف دمشق»، وهو من قدّم النصيحة الصادقة بضرورة الحياد في موقف دار الفتوى، والاصلاح في مؤسساتها. وُعد خيراً، ثم شاهد ما كان يوم 5 شباط مروراً بحضور المفتي الإفطار الأول الذي أقامه سعد الحريري، ثم تعيين مفتٍ لعكار بالوكالة، ووصولاً الى استقبال سمير جعجع، واستمرار ما وصفه أمام المصلّين بـ«الأحوال الفاسدة» في دار الفتوى، مشيراً الى ان «سعد الحريري شقّ الطائفة السنية»، إذ «لا يوصف كبار الطائفة بأنهم ريف دمشق»، قبل أن يودّع المصلين في المسجد الذي أمضى سنوات يؤمّهم فيه لأن «الحريري والمفتي لن يسمحا لي بالمتابعة في إمامتكم».
مفترق طرق خطر ومتعرّج تمر به الطائفة السنية، ولولا تحرّك بعض قوى الشارع السنّي المتهمة بالولاء لسوريا وايران، لما تحرك العلماء في دار الفتوى، من موظفين مدنيين ورجال دين، وائتلفوا في كتلة واحدة، تضم حوالى نصف المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى، وهو الذي يمكنه عزل المفتي أو اقتراح تعديل المرسوم الاشتراعي الرقم 18. وتردد مصادر في دار الفتوى مقرّبة من المفتي ان سياق الامور والطبيعة القانونية للتعديل المزمع للمرسوم قد تفرض حل المجلس، فيما تشير مصادر من علماء دار الفتوى المعارضين لتعيين الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً لعكار إلى ان عزل المفتي قد يكون مطروحاً في حال الوصول الى غالبية الثلثين، «وهو ما نسعى إليه حالياً».
يمكن استبعاد عزل المفتي من الكلام الجدي حالياً، الا ان التلويح به يعود الى أكثر من سبب، أولها الضغط عليه وفرض منطق آخر للأمور، ثانيها إشعار تيار «المستقبل» بأن الأمور ليست بخير داخل الطائفة وان على سعد الحريري إعادة النظر في حساباته، وترك هامش للدار لتؤدي دورها حاضنةً للجميع، وثالثها استباق «الخط الايراني ــ السوري»، كما تصفه مصادر من علماء دار الفتوى، وعدم إفساح المجال له للتحرك على خلفية تجاوزات حقيقية يستند إليها ليوجد حوله قاعدة قد تسمح بانشقاق جدي في الطائفة.
هذه الأهداف غير المعلنة تدفع عدداً من المشايخ الى التواصل بعيداً من الإعلام، ويبتعد هؤلاء في شكل مماثل من الاتصال بأطراف سياسية سواء من داخل الطائفة أو خارجها، ولا يحاولون مراضاة الاعلام، بل يحمل أحدهم بشدة على صحيفة «المستقبل» قائلاً: «كل الصحف تكتب عما حصل في عكار إلا هذه الصحيفة، كما لو أنه لا شيء هناك، هذه هي سياستكم تجاه طائفتنا؟ تجاهل ما يحصل في داخلها؟» يسأل أحد رجال الدين هاتفياً أحد أركان تيار «المستقبل» الذي يتصل في محاولة لترطيب الأجواء.
البيت السني يبدو في حاجة الى إعادة ترتيب. «لا نوافق على تعيين الشيخ أسامة الرفاعي في منصبه بالوكالة. وهو كان عريف احتفال ببنين الانتخابي للائحة سعد الحريري في الشمال، ورفع أيدي سعد الحريري وستريدا جعجع في الكواشرة في عكار، لا يمكن مكافأة الموقف السياسي للشيخ الرفاعي بإعطائه منصباً إفتائياً»، يقول مصدر علمائي في دار الفتوى.
تفاقم الأمور يدفع الى سؤال عن التسويات، إلا أن الجواب: «لا تسويات ممكنة. الممكن هو تصحيح وضع دار الفتوى وابقاء المؤسسات التابعة على الحياد سياسياً وإدارياً».
وفي السياق نفسه يكاد ينسى المعارضون ثلاثة أمور رئيسية وهم في غمرة معركة ينجحون في إدارتها الى حد كبير، أولها ان طرح «مفت شعبي» يجب ان يلحظ انتماء سياسياً وفعلياً الى بيروت، ثانيها انه يجب ان يكون على قدر كبير من الحياد من كل الأطراف الفاعلة، وثالثها، وربما الأهم، أن تجاوز مؤسسة دار الفتوى سيعيد توحيد أبناء الطائفة، وخصوصاً البيارتة، كتلةً واحدةً للدفاع عن الموقع الرسمي، وإن ليس عمن يشغله، وهو ما يذكّر بمحاولة طرف احتلال دار الفتوى في العقد الاول من تسعينيات القرن الماضي فتدخّل سكان المنطقة عفوياً وضد إرادة الأجهزة الأمنية وتصدّوا بالقوة للمحاولة.
حالياً يُجمع عدد من رجال الدين والموظفين والناخبين الطبيعيين في المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى في بيروت على هذا الموقف: الإصلاح السياسي والإداري، لم يظهر أحد منهم وجهه للإعلام، وتوافقوا على ان يظهر الشيخ خلدون عريمط بمفرده، وما بدا انه انتفاضة ليس في مآل الأمور أكثر من دعوة الى إصلاحات ضرورية، من دون إغفال استياء كبير لدى علماء الأمة من بعض التصريحات غير المسؤولة التي تكاد تبشّر من يعادي تيار المستقبل بالذهاب الى الجحيم.