غسّان سعود
احتكار إدارة الميدان، اقتصار ملكية الإسطبلات على أشخاص محددين، عدم حصول الدولة على حقوقها، غياب النشاطات الترفيهية، وتواطؤ المجلس البلدي في بيروت... هذا هو الوجه الآخر لميدان سباق الخيل الذي يختبئ وملفّاته الكثيرة خلف جدران عالية

قبل أكثر من خمسين سنة، كتب الفنان الشعبي عمر الزعني أغنية تقول: «لو كنت حصان بإسطبل فرعون، باكل فستق باكل بندق. ما بسرق متل الزعران... لو كنت حصان».
الأغنية أثارت ضيق الوزير الراحل هنري فرعون، فتقدّم بشكوى من كاتبها الذي سجن ثلاثة أشهر في سجن الرمل، كما يروي الدكتور فاروق الجمال في كتابه «حكاية شعب».
والزعني الذي تعرض للاضطهاد والسجن بسبب أغانيه السياسية المليئة بالنقد والسخرية، كان سيجد اليوم موادّ كثيرة ليُعلِّق عليها بقسوة. وكانت أغنيته الخمسينية عن حصان فرعون القديم ستكون مناسبة لحصان فرعون الجديد، مع بعض التعديلات.
فعشية انتهاء التعاقد، نهاية هذا العام، بين بلدية بيروت من جهة، وجمعية حماية وتحسين نسل الجواد العربي في لبنان من جهة أخرى، ينبغي أن يسلّط الضوء على بعض الحقائق:
فمساحة عقار ميدان سباق الخيل تبلغ مئتين وعشرة آلاف متر مربع. لكنّ مجموع حصة بلدية بيروت من إيرادات الميدان خلال الفصل الرابع من عام 2005 مثلاً (تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون الأول) لم تبلغ أكثر من مئتين وستين مليون ليرة، أي ما معدّله 86 مليون ليرة شهرياً، الأمر الذي يشكل فضيحة غير مسبوقة، وهدراً بالمليارات. فبعض البلديات تتقاضى مبلغاً شهرياً يتخطى المبلغ المذكور لقاء تأجير مواقف للسيارات لا تزيد مساحتها عن عشرة آلاف متر مربع.
فكيف يُعقل أن أرضاً مساحتها مئتان وعشرة آلاف متر مربع تؤجّر بستة وثمانين مليون ليرة شهرياً فقط؟
في الوقائع، منحت بلدية بيروت عام 1916 امتيازاً للسيد ألفرد سرسق لاستثمار ميدان السباق. وعام 1966 استردت البلدية الميدان، وصدر المرسوم الرقم 3724 بتاريخ 31/1/1966، الذي قضى بالترخيص لبلدية بيروت بفتح ميدان السباق واستثماره. لاحقاً، وبعد عام، صدر العلم والخبر الرقم 185/د الذي تمّ بموجبه تأسيس «جمعية حماية وتحسين نسل الجواد العربي». ثم تعاقدت البلدية مع الجمعية لإدارة ميدان السباق واستثماره لمصلحة البلدية، اعتباراً من 1/1/1970. وفي 20 شباط 1985 اتخذت البلدية القرار الرقم 15 القاضي بتمديد التعاقد مع الجمعية لغاية 30/6/1992.
وبتاريخ 24/10/1991 اتخذت البلدية القرار الرقم 88 بتمديد التعاقد مع الجمعية لإدارة الميدان حتى عام 2007.
وعلى رغم رفض ديوان المحاسبة الموافقة على القرار الرقم 88، واعتباره أن الاتفاق عبارة عن امتياز، ولا يجوز بالتالي للبلدية توقيعه، استمرت الجمعية والبلدية في التنسيق ما بينهما، ورُفع تقرير الديوان إلى مجلس الوزراء (قرار رقم 834/ر.م تاريخ 23/9/1992). ونظراً إلى الضغوط في مجلس الوزراء، اتخذت البلدية قراراً حمل الرقم 55 بتاريخ 15/1/1998 قضى بإسناد استثمار الميدان إلى شركة خاصة من طريق الخصخصة. لكنّ مجلس الوزراء عاد بعد أقل من شهر، في 5/2/1998، ووافق بمقتضى القرار الرقم 21 على أن تستثمر «جمعية حماية وتحسين نسل الجواد العربي» نفسها إدارة الميدان إلى حين إجراء المناقصة الدولية، ومباشرة الملتزم الجديد الاستثمار.
لاحقاً، بعد ثلاث سنوات، أخذ المجلس قراراً (28) شرّع في شكل نهائي إدارة ميدان سباق الخيل من الجمعية نفسها لمدة ثلاث سنوات، مع تعديل الاتفاق الرقم 308. وقضى الاتفاق الجديد بإعطاء بلدية بيروت 5% من أرباح المراهنات، فيما تحصل الجمعية على 20% منها. وحدد القانون سقفاً سنوياً لحصة البلدية من مجموع المراهنات هو 750 مليون ل.ل. وما يزيد على هذا السقف يُوزع بنسبة أربعين في المئة للبلدية كعائدات إضافية، أمّا الستّون في المئة المتبقّية فتحوّل للحساب الخاص بالإنشاء والتجهيز.
تجدر الإشارة إلى أن ثمة إيرادات أخرى إلى جانب المراهنات، هي فروق التسعير (الكسور)، مداخيل المطاعم ورسم الدخول ومواقف السيارات والمداخيل الإدارية. ووفقاً للاتّفاق، تُحول فروق التسعير بكاملها للجمعية كتغطية جزئية لموازنة التشغيل، كما كان معتمداً في السابق. أما المداخيل الأخرى، من المطاعم ورسم الدخول ومواقف السيارات والمداخيل الإدارية، فتُعطى البلدية عشرين في المئة من نسبتها فقط، فيما تحصل الجمعية على ثمانين في المئة. ويعود القانون ليقتطع من العشرين في المئة خاصة البلدية، عشرين في المئة أخرى لتغذية الحساب المخصص من الجمعية للإنشاءات.
وفي التفاصيل التي لم يذكرها القانون، تحتفظ الجمعية أيضاً بعائدات «قيديات الخيل»، رسم التشبيه والقياس للخيول، الغرامات المقتطعة من أصحاب الخيول، الإيرادات الناتجة من مبيع الخيول، استثمار المشروبات والمرطبات والمياه، استثمار لوحات الإعلانات، استثمار الحفلات وتأجيرها بمبالغ مقطوعة، إضافة إلى التبرعات وخصوصاً الفوائد. وتجاهل القانون الرقم 28 موضوع إيجارات إسطبلات الخيل التي يفترض أن تكون ملكاً صرفاً للبلدية. وهكذا تستمر الجمعية المذكورة بإدارة ميدان سباق الخيل من دون منافسة، ومن دون أي خطر حقيقي من المراقبة أو المحاسبة.
وبعدما كثر الكلام على الاسطبلات، وعدم حصول البلدية على عائدات من استثمارها واتّهام الوزير ميشال فرعون بالاستفادة الخاصة من مرفق عام، أوضحت جمعية «حماية وتحسين نسل الجواد العربي في لبنان» في رسالة إلى رئيس المجلس البلدي وأعضائه في بيروت، عام 2002، أن بعض أصحاب الخيل يشغلون عدداً من البوكسات منذ زمن من دون إبرام عقود إيجار رسمية. وهذه البوكسات هي لإيواء الخيل التي تركض في السباقات، ووجودها، بالتالي، حيوي، وهي توفر عمل الميدان واستمراره والمداخيل للبلدية والخزانة. ويقتضي النظر إلى إيجارات البوكسات من خلال تعزيز وجود الخيل في الميدان، لا على أساس أنها أماكن عادية مخصصة للاستثمار. واعتبرت الجمعية أن أية معادلة تقوم على فرض بدلات إيجار مرتفعة للبوكسات من شأنها الانعكاس سلباً على عدد الخيل في السباقات، وبالتالي، تراجع نشاط الميدان وتدنّي إيراداته. وقالت الجمعية إنها، وبعد دراسة الموضوع، تعتقد أنه لا يمكن أن يفرض على كل بوكس مؤجَّر بصورة قانونية بدل إيجار يزيد على 30000 ليرة شهرياً. وطالبت الجمعية بإبقاء الايجارات القديمة للبوكسات، والخاضعة للتمديد القانوني، كما هي، من دون أن تطالها أي زيادة.
وتفيد إحدى الدراسات التي أعدها أحد أعضاء بلدية بيروت أن الإسطبلات تتوزع منذ عام 1985 على الشكل التالي: 117 للوزير ميشال فرعون، 58 للنائب نبيل دي فريج، 75 لشريكهما في الجمعية مفيد دبغي، 25 لنايف مزرعاني (استثمرها لاحقاً محمد جاسم القطامي باتفاق خاص مع مايا مزرعاني وريثة نايف)، و12 لإلياس عساف.
وعمد فرعون ودو فريج إلى توزيع بعض البوكسات خاصتهم على مالكي الخيول، لتحفيزهم على شراء المزيد من الخيول، وتكثيف نشاط الميدان. وسمح فرعون للنائب السابق عصام فارس بشغل عشرة بوكسات، ولكل من النائب إيلي سكاف وهنري شلهوب وعثمان مكاوي بثمانية، ولروجيه كرم تسعة. وسمح دي فريج لكل من مصباح كنفاني وجورج مشرقي بشغل اثنين وعشرين بوكساً. والجدير بالذكر أن فرعون ودي فريج لم يسدّدا إيجار هذه البوكسات التي وزّعوها. كما لم يسدّد الشاغلون الجدد أيّ أجر لبلدية بيروت، ولا يُعرف إذا ما كانوا يدفعون أجراً معيناً للنائبين دي فريج وفرعون، علماً أن بعض المعلومات، غير الموثّقة، تفيد أن النائبين يؤجران البوكس الواحد بمئات الدولارات شهرياً.
وفيما يدفع ميشال فرعون مثلاً عن 79 بوكساً قرابة مليون وخمسمئة ألف ليرة سنوياً، يدفع نبيل دي فريج عن 35 بوكساً قرابة عشرة ملايين وخمسمئة ألف ليرة، بعدما قبل اختيارياً بزيادة الإيجار. وتنتهي الدراسة بالتأكيد أن إجراء المحاسبة المالية، في حال حصولها، وقبض المبالغ العائدة للعقود الأساسية يوفر مدخولاً سنوياً ثابتاً اعتباراً من 1/1/2005 بحدود مئة وثمانية ملايين ليرة لبنانية، وتضاف إليها المبالغ المتأخرة وهي بحدود ثلاثمئة مليون ليرة.
وكان ديوان المحاسبة قد اعتبر بتاريخ 9/3/2005 أنه وبعد عرض كل المراسلات المتعلقة بملف «بوكسات» ميدان سباق الخيل المستأجرة أو المشغولة بصورة غير قانونية والحلول المقترحة في شأنه، يرى أن اتخاذ القرار المناسب يعود للإدارة وحدها، ووفقاً للقوانين والانظمة المرعية الإجراء ولا يمكن الديوان أن يحل محلها في هذا الشأن.
وهكذا، لا مفر من البحث عن عمر الزعني آخر ليكتب الكثير عن أحصنة تُرتكب من أجلها عشرات الصفقات.




لقطات

سياسة وإدمان



  • العديد من اللبنانيين مدمنون على متابعة سباق الخيل، وعلى المراهنة طبعاً. ويعتمد في ميدان بيروت نظام الأشواط السبعة. وثمة مدرجات للدرجة الأولى، ومدرجات للدرجة الثانية حيث الفئات المادية شبه المعدومة. وينتمي معظم المراهنين إلى فئات سائقي سيارات الأجرة، والصيادين، والبائعين المتجولين، والكثير من العاطلين عن العمل.
  • يروي بعض السياسيين المعادين لسوريا في مجالسهم الخاصة أن التدخل السوري في الشؤون اللبنانية وصل الى حد فرض فوز أحصنة معينة في سباق الخيل.
  • يسجّل في محضر اجتماع رسمي في شأن ميدان سباق بارك بيروت، بتاريخ 1/9/2004، حضره رئيس جمعية حماية وتحسين نسل الجواد العربي نبيل دي فريج واللجنة المكلفة من البلدية متابعة شؤون الميدان، قول الرئيس السنيورة الذي حضر بصفته وزيراً للمال، بأنه مستعد للتنسيق والموافقة على كل اتفاق يحصل بين البلدية والجمعية ليوفر استمرار هذا الميدان الحيوي والسياحي الذي يعكس وجهاً حضارياً لبيروت. وأكد السنيورة السعي مع البلدية لإلغاء الـBOT. فيما قال عضو المجلس البلدي سليم عيتاني إن بعض أبناء بيروت يطالبون بإنشاء فندق داخل ميدان السباق والبعض يطالب بنشاطات رياضية وثقافية وألا يقتصر الموضوع فقط على السباقات والمراهنات. وطالب العضو منيب ناصر الدين بتوفير حقوق البلدية وخصوصاً لجهة الإسطبلات ودرس هذا الموضوع وإعطائه الأهمية. أما طوني بديع الخورع فشدّد باسم اللجنة على المطالبة بقيام نشاطات رياضية وترفيهية وثقافية ومعارض ولوحات داخل الميدان وفي الهواء الطلق للاستفادة من المساحات الخضراء والحدائق.