شتورا ـــ نيبال الحايك
عند كل فجر، تقتحم ساحة شتورا مجموعة من المتسوّلين يمكن تقسيمها إلى فئتين: الأولى والأكبر من الأطفال، والثانية من النساء. يأتي باص وينزلهم في الساحة لتنطلق بعد ذلك رحلة التسوّل.
يتّجه نحوك كمّ من الأطفال أصغرهم دون الخامسة من العمر. تتحدّث إلى محمود (14 سنة) من دير زنون، فيقدّم إليك شرحاً مسهباً عن حياة أسرته: «أمّي تبيع الخبز، وأبي لا نعرف أين هو، وكيف يمضي أيامهمحمود يتسوّل طوال النهار، من السادسة صباحاً حتى الرابعة من بعد الظهر. ثم يذهب الى عمل جديد في رعي الماشية في سهل الروضة ودير زنون. لا يعنيه مكان والده، أو ماذا تفعل أمّه خلال عملها في التسوّل. همّه الوحيد أن يستطيع الهروب نحو عالم أفضل. «ليش أنا مش متل كل الناس؟»، سؤال يردّده محمود وحوله مجموعة من الأطفال من أقربائه.
يتحدث الطفل شريف (5 سنوات) عن التسول، وهو بالطبع يعدّ نفسه «شحّاداً» حين تسأله عن مهنته. والدة شريف توفّيت منذ ثلاث سنوات. هكذا قال وهو يضحك، بعد أن لكم رفيقه أحمد وفرّ إلى جهة أخرى من الساحة. أمّا محمود عبدو (10 سنوات)، فهو يتيم، ولا يعرف والده أو والدته، مما اضطره إلى التسوّل في ساحة شتورا مع شقيقته الكبرى.
يتابع المراقب جولته في ساحة شتورا، وينظر إلى حركة هؤلاء الأطفال الذين "امتهنوا" باكراً «شغلة الشحادة». ولكن الأكثر "إثارة" هو مشهد متابعة عمل الفتيات خلال التسول. ليس تسولاً بالمعنى المتعارف عليه. إنه تسوّل من نوع آخر.
«صبحة»... هكذا عرّفت عن اسمها بعد أن ابتعدت عن سيارة «أجرة»، وفشل حوارها مع السائق. تقول صبحة إنّ عمرها 24 سنة، وهي متزوّجة من شخص قالت عنه إنه "لا يشتغل ومقبور قاعد بالبيت، وأنا دايره من بيت لبيت».
ترفض صبحة متابعة الحوار. فالوقت ليس للكلام. «هلّق مش وقت حكي. بدّي إشتغل». تبيع صبحة جسدها. «هيك بدّو زوجي... وإذا ما برجع ومعي مصاري بيضربني». عشرون ألف ليرة و«تذهب صبحة مع الشخص»، قال أحد الباعة المتجوّلين في ساحة شتورا.
أمّا فاطمة (18 سنة) فهي ترى في «التسوّل» مهنة لا بد منها. «هيك بطلّع مصاري أكثر، والزبون حمار». الزبون عند فاطمة مجرد «حمار» يدفع 15 ألف ليرة وتنتهي «القصة».
«أنا ما عندي حدا... وهيك بدها الأيام. زوجي بدّو مصاري لأنّو بدّو يتزوج مرة ثانية». جملة تكررها فاطمة «المؤمنة» بعملها. فهي تفضّل «إيجار» جسدها مقابل حفنة من المال، ومن «أجل زواج رجلها». وتقول بكل صراحة : «أنا ما بخاف.. بس أهم شي ما يشوفني الدرك وأنا عم احكي مع الزبون». تنهي حديثها وتتّجه نحو «سيارة» من طراز حديث وتفشل في إقناع سائقها بعرضها.
مشهد ساحة شتورا خلال العدوان الإسرائيلي كان مغايراً لمشهد ما قبله وما بعده. يقول أحد التجار في الساحة إنه خلال العدوان "لم نعد نرى الشحادين، ولا فاطمة أو أختها صبحة..". اليوم عادتا مع الأطفال.
تخلو ساحة شتورا خلال فصل الشتاء من "الشحادين"، وهي فرصة للتجار لكي يرتاحوا من "زحمة" الأولاد الذين يقلقون راحة الزبائن داخل المؤسسات التجارية وخارجها. يقول أحد أصحاب محلات الصيرفة إن القوى الأمنية كانت تعمل قبل العدوان الإسرائيلي على قمع هذه الظاهرة. لكنّ عملها توقّف منذ بدء العدوان.