strong>حفريّات موقع السعديّات توحي بإقامة طويلة للقوّات الفرنسيّةتشهد السعديات ورشة عمل لبناء جسر حديدي بديل من الجسر الذي دمّرته الطائرات الإسرائيلية، وهو أحد الجسور الخمسة التي بدأ العمل على تركيبها جنود فوج الهندسة في الجيش الفرنسي. لكن ورشة من نوع آخر يشهدها الشاطئ المحاذي.
بسّام القنطار

يرابط منذ أسبوع في منطقة السعديات في السهل الذي كان يستخدم حقل رماية للجيش اللبناني، نحو مئتي جنديّ من فوج الهندسة في الجيش الفرنسي بعتادهم وآلياتهم.
يخضع هذا الفوج لأمرة القيادة الفرنسية مباشرة، وقد جاء إلى لبنان بطلب رسمي من رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة. لكنّ وجوده مستقلّ تماماً عن انتشار القوات الفرنسية في إطار قوة الأمم المتحدة المعززة في جنوب لبنان المقرر أن يُستكمل نهاية هذا الشهر.
وكان متحدث باسم قيادة أركان الجيوش الفرنسية أعلن في 13 آب الماضي، أن فرنسا سترسل إلى لبنان فريقاً صغيراً من العسكريين من سلاح الهندسة لتحديد الأشغال اللازمة لإعادة تأهيل شبكة الطرقات. وفي اليوم الثاني، وصل إلى بيروت خمسة عسكريين وباشروا دراسة المواقع المستهدفة. وفي 27 آب، وصلت إلى مطار بيروت أربع طائرات عسكرية تحمل عناصر الفوج الموكل بتنفيذ المهمة، وتبعها وصول سفينتين على متنهما تسعمئة طن من المعدّات الثقيلة من شاحنات وآلات وهياكل معدنية.
«الأخبار» استطلعت الموقع الذي يتجمع فيه الفوج، والتقت الكابتن «لابرودوني» الذي قال: «لدينا 240 جندياً لمهمة بناء جسور حديدية مؤقتة. في الوقت الراهن خططنا باتفاق كامل مع الحكومة اللبنانية ستة مواقع سيعاد تأهيلها خلال فترة ثلاثة إلى أربعة أسابيع. وقد باشرنا العمل على هذا الجسر وسننتقل الخميس المقبل إلى الجسر الذي يربط الساحل بمنطقة الشوف».
وأكّد لابرودوني أنّ الفوج مرتاح للتعاون الذي يلقاه من الجيش اللبناني وللحفاوة التي يبديها السكان المحليون. وأضاف «أنا شخصياً لم يكن لدي الوقت الكافي للتعرف إلى المحيط، لكن الجنود زاروا بلدة الدامور وسهروا هناك، كما أن آخرين ذهبوا إلى وسط بيروت حيث الصخب والمدينة المليئة بالناس». وهذه هي المهمّة الأولى خارج البلاد للابرودوني، والفرقة الخاصة التي يعمل فيها تتعامل مع إعادة الإعمار والنقل، وسبق أن نفذت مهمات في كوسوفو.
الجنود الذين يعملون على بناء الجسر يتجاوز عددهم المئة، توزعوا على فرق صغيرة. واحدة تعمل على تركيب الجسر، وأخرى تدرس توازن الأرض وانسيابها. وباستثناء الرافعة التي تعمل على نقل قطع الحديد، يعتمد البناء على القوة البشرية في تجميع الأجزاء. وقال لابرودوني: «هذا النظام للجسور يشبه لعبة الميكانو، لأنه لا يحتاج إلى وسائل خاصة توضع في الموقع أو تبنى في مواقع متفرقة. وأضاف «إننا نستخدم نظاماً جرّب للمرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية عندما كانت تجري إعادة إعمار الجسور التي تربط المدن الأوروبية والتي نسفت في حينها، والجسور البديلة يمكنها أن تحمل شاحنات تزن 40 طناً».
الجنود المنهمكون في بناء الجسر، يشبهون بتنوعهم العرقي المنتخب الفرنسي لكرة القدم. ولقد حاز هؤلاء اهتمام طابور السيارات العابرة إلى الجنوب والمرغمة على التوقف عند موقع الورشة بسبب ضيق المساحة. وعند حافة الطريق، جلس ثلاثة ضباط فرنسيين بعيونهم الزرقاء والخضراء وقاماتهم الطويلة، يوزعون الابتسامات على المارة، خصوصاً السيدات اللواتي بادر بعضهن الضباط بابتسامات وضحكات. لكن الوجوه تتبدل مع عبور سيارة تحمل صورة السيد حسن نصر الله وتعلو منها خطابات السيد على وقع موسيقى فرقة «الولاية». حينها تتغير السحنات، إلى أن تأتي هتافات من شاب متحمس يطل من شباك «الجيب» المزدان بشارات «الحقيقة» وصورة الشيخ سعد ويصرخ بأعلى صوته «Vive La France».
وعند سهل السعديات، حيث تستقرّ معدّات الفوج الفرنسي، ورشة من نوع آخر. آليات عسكرية تعمل على جرف الأتربة وبناء سنسول ترابي يفصل ما بين الموقع والنهر الذي يمر بقربه وصولاً إلى البحر. أما الشاطئ فتغيّرت معالمه وسحبت رماله لمسافة تزيد على مئتي متر، وتم تجميعه في مكان قريب حيث تقوم جرافة مدنية بتنقيته من الحجارة والصدف البحري من خلال غربال حديدي كبير. كما فتحت الجرافات طريقاً يصل الموقع بالشاطئ مباشرة، بما يشبه محاولة لبناء مرسى عسكري.
لابرودوني نفى أن يكون الفوج قد باشر أعمال تمركز في الموقع «مؤكداً أن مهمته مؤقتة وسوف يغادر المكان فور انتهاء أعمال بناء الجسر». أما عناصر الجيش والدرك الموجودون في المكان، فلم ينفوا أو يؤكدوا ما تناقله السكان عن بناء قاعدة لهبوط الطائرات المروحية، وعن تحوّل موقع السعديات إلى قاعدة عسكرية فرنسية مركزية لكل القوات الفرنسية العاملة في إطار اليونيفيل.