strong>كلّما انتهت سنة قضائية، ينام الطرابلسيون وأهل الشمال على وعودٍ تبشّرهم بتدشين قصر العدل الجديد، والقصر الراهن انتقل من السرايا العثمانية في وسط ساحة التل في أواخر الخمسينيات، ليلتحق بالسرايا الجديدة عبر مبنى جانبي ألصق بالسرايا من الجهة الجنوبية ما زال هو هو منذ أكثر من خمسين سنة، فلا التحديث شمله ولا أعمال التوسيع أخذت طريقها إليه.
طرابلس ــ رولا حميد

يدخل المرء الى مبنى العدلية في طرابلس، عاصمة الشمال وثاني أكبر المدن اللبنانية، يبحث عن لقب ليطلقه عليه فلا يجده.. هذا الجناح الملحق بمجمّع السرايا لا تنطبق عليه تسمية “القصر” مقارنة مع قصر العدل في بيروت الذي يعتبر من أكبر قصور العدل مساحة وأفضلها رونقاً وجمالاً في منطقة الشرق الأوسط، وإن كان الأخير يحتاج الى مقوّمات التطوير للالتحاق بركب الحداثة التي يشهدها سواه في الدول المتحضرة.
فهذا المبنى من حيث الشكل ربما يصحّ تشبيهه بـ“مشهد سريالي” في أحد الأفلام المصرية، يتميّز بزحمته الخانقة الى حدّ انقطاع النفس، وخصوصاً في الردهات وعلى السلالم التي تفصل بين طبقتيه الوحيدتين اللتين تضيقان يومياً بالمئات من المتقاضين والمحامين والموظفين، أما في المضمون فحدّث ولا حرج.. قاعات المحاكمات تحتاج الى اعادة نظر في التجهيزات، بدءاً بأقواس المحاكم التي ترمز الى هيبة القضاء ورهبته، ومروراً بالمقاعد والأبواب والنوافذ، ووصولاً الى مكاتب القضاة والأقلام التي تفتقر الى المقاعد اللائقة والتهوئة الصحية والتكييفولم تقتصر المشكلة على هذا الأمر فحسب، إذ يفتقر المبنى الى مصعد ومولّد كهرباء وإنارة، وتعاني بعض المكاتب النش والرطوبة العالية، ناهيك عن وضع النظارة التي لا تراعي أدنى المواصفات الصحية. أما الغرف التي تتكدّس فيها الملفات، فهناك المنظر محزن للغاية.. خزائن لا تتسع إلاّ لعشرات الملفات، أما الآلاف منها فمرمي على الأرض وفي الزوايا، غالبيتها في أغلفة مهترئة والبعض مبعثر الأحشاء. تسأل أحد الموظفين عن سبب إهمال هذه الملفات وكيف تحفظ حقوق أصحابها إذا ضاعت أو فقد بعض مستنداتها؟ يجيبك “ما العمل؟ لم يعد هناك مكان لها”. ويناشدنا موظف آخر من دون أن يذكر اسمه “ساعدونا على ايجاد الحل”. ويسارع الى الاجابة بنفسه قائلاً: “الحل يكمن في حكاية مبنى قصر العدل الجديد الذي مضت عليه سنوات وسنوات من دون أن يبصر النور”.
ففي مطلع التسعينيات اختيرت قطعة أرض بجوار مبنى السرايا الراهنة، لإقامة قصر العدل الجديد الذي يتمتع بأحدث المواصفات والشروط الواجب توافرها، واستُملكت الارض المطلوبة، وبقيت الأمور تراوح مكانها الى أن وضع حجر الأساس للقصر العتيد عام 2003، وبدأت أعمال البناء التي كانت تسير شهراً وتتعطّل دهراً لأسباب سياسية. ومنذ ذلك الوقت والشماليون وخصوصاً المعنيين بشؤون العدالة ينامون على وعدٍ ويستيقظون على آخر والحال على ما هي عليه، حتى إن هذا المرفق الأساسي والحيوي بات مادة يحقق فيها السياسيون المكاسب عند كل استحقاق.
وكان لنقيب المحامين في طرابلس فادي غنطوس رأيه في هذا المجال فقال لـ“الأخبار”: “الحديث عن قصر العدل الجديد له شجون كثيرة، لقد تم إقرار بناء قصر العدل الجديد في عهد وزير العدل النقيب سمير الجسر وكان وزير الاشغال آنذاك الرئيس نجيب ميقاتي، ولأن منطقة الشمال بحاجة الى قصر عدل لائق وحديث، يليق بهيبة العدالة، وخصوصاً ان قصر العدل الراهن هو “كارثة” ينطبق عليه أي وصف إلا قصر العدل، وهذا شيء “معيب”. فلا غرف للقضاة ولا تجهيزات ولا مصاعد ولا مولد كهرباء ولا إضاءة.. باختصار في الصيف حريق وفي الشتاء غريق والمطر يهطل على الملفات ما يضطر الموظف الى حمل “الطشت” من مكان الى آخر لجمع مياه الدلف نتيجة المعوقات”.
يضيف: “لقد أنجزت المرحلة الاولى للقصر الجديد بشكل جيد ولكن هناك تباطؤ ناتج من عدم صرف وزارة المال المستحقات للمتعهدين في أوقاتها، بالإضافة الى ارتفاع أسعار الحديد والإسمنت.. وعلى رغم وجود الاموال استمر التقصير في الدفع للمتعهدين، لأن وزارة المال تحتج بعدم وجود موازنة وهنا أناشد الرئيس فؤاد السنيورة ووزير المال صرف المستحقات، لأنه يجب ألا تمتد المرحلة الثانية، التي يفترض بها أن تتم في 18 شهراً، إلى أربع سنوات إضافية، وليس معقولاً أن يحتاج بناء قصر العدل إلى عشر سنوات”.