فداء عيتاني
بن لادن يختبئ في بيوت الفقراء ويعارض الـ 1701

فلتأت القاعدة، يقول القائد العسكري السابق للتنظيم الجهادي، على افتراض أنها غير موجودة، وفي كل الاحوال من دواعي قدومها وجود قوات دولية سيصل عددها إلى 15 الف عنصر، «السنّة لا يمكن حشرهم في زواريب العمل السياسي اللبناني، إنهم اكثرية في العالم، وفي كل الدول العربية» يضيف وهو يشير إلى تفعيل الشارع السني في لبنان نحو القضايا العربية، «اذا قررت القاعدة العمل في لبنان فما الذي سيبقى من آل الحريري؟».
تشبه منطقة الزاهرية في طرابلس منطقة الطريق الجديدة في بيروت، ومن قرب صيدلية كبيرة على طرف المنطقة الشعبية يمرّ القائد العسكري السابق ليلتقينا ويأخذنا إلى منزله الواقع في حي شعبي آخر: «الموضوع اللبناني دُوّل عبر نشر 15 الف جندي اجنبي، وهذا العدد اكبر من حجم لبنان، ولا شكّ في أن القاعدة ستجد فيهم هدفاً لها» يقول القائد العسكري وهو يعلم أنه «رغم دعوة الظواهري إلى إسقاط القرار 1701 فإن الشيخ اسامة لم يأخذ قراراً نهائياً بعد بالعمل في لبنان ضد القوات الدولية».
«القرار 1701 هدفه إراحة اسرائيل من المقاومة التي أثبتت قدرتها على إيذاء اسرائيل، وللأسف فإن طموحات الشعب لا تجد صدى لها في الامم المتحدة، ولا يمكن بالمقابل الاستكانة» يقول بابتي، الذي يرى أن دعوة الظواهري إلى اسقاط القرار الدولي «لا تتلاءم مع ارضية لبنان» ويضيف انه «لا يمكن اعتبار قوات الطوارئ الدولية قوات احتلال، فالموقف الرسمي والشعبي يعارض أداء قوات الطوارئ أي دور خارج اطارها»، بحسب ما يرى الرجل الذي طالما عمل بين الطرابلسيين في مختلف ظروف الحروب والأزمات وفي ظروف الانتخابات، ويضيف: «بن لادن واجه في افغانستان الاحتلال الشيوعي وبعده الاميركي، وفي العراق واجه الاحتلال الاميركي، لكن في لبنان لا احتلال على كل الاراضي كما هي حال العراق».
الشيخ شعبان لا يرى في القرار إلا ظلماً أيضاً، و«عملية ضد القوات الدولية لا تحتاج إلى اكثر من شابين متحمسين، لا ضرورة لوجود التنظيم هنا».
«لا تصاغ القرارات الدولية لمصلحة الامة، لكن لا أرى أن دعوة الظواهري إلى إسقاط القرار واقعية، على الرغم من موقفنا ضد الـ1701، الشيخ اسامة يمثّل مدرسة فكرية، لكن اهل مكة ادرى بشعابها، ونحن من يمكنه تحديد مصالحنا الوطنية، وقبل الدخول في مواجهة عسكرية علينا أن نتفق على من هو العدو ومن سنقاتل».
«ثمة تقارب واضح بين ايران وتنظيم القاعدة» يقول احد الناشطين من الجهاديين الذي أيضاً يرفض الكشف عن اسمه «لاحظ تحديد الدور المصري والسعودي والاردني في خيانة لبنان بحسب الظواهري، والكلام الذي يستشفّ منه موقف مشابه لموقف لمعارضة في لبنان».
أمنياً أين هو بن لادن؟
اين هي القاعدة في طرابلس وأين ينتشر اسامة بن لادن؟ الإعلام اطلق منذ فترة قريبة جدّاً اسم «ابو رشيد الميقاتي» على امير بلاد الشام في تنظيم القاعدة، وأعلن أنه أتى الى لبنان لتنظيم عمل مجموعات القاعدة في. وكما يوحي الاسم، فإن الشخص من طرابلس، حيث وبحسب مصادر محلية، ثمة شخصان يحملان اسم «رشيد الميقاتي» احدهما مدير مجمع الاصلاح الاسلامي، الذي يؤكد قبل انطلاقه من طرابلس الى احدى القرى أن «والدي ابو رشيد رجل يبلغ 95 عاماً من العمر، ولا أعتقد أنه ينتمي إلى الذين تدربوا وقاتلوا في العراق» ويضيف ساخراً: «لا شك في أن هناك نية سيئة وراء اطلاق هذا الاسم، ولا أحد، كما نعلم، يحمل الاسم ولديه مواصفات المقاتل السابق أو من الذين ذهبوا الى باكستان للدراسة».
«في رأيي لا توجد قاعدة في لبنان، وإذا اردت البحث عن التنظيم فستجده في موقع الحسبة على الانترنت» يقول الشيخ بلال شعبان.
«القاعدة ليست تنظيماً، يمكن ان ينفذ اخوان عملاً ما ويخرج ايمن الظواهري او اسامة بن لادن ويباركان للاخوان في هذا العمل، وهي في هذا الاطار غير موجودة في لبنان، او أنهم يحسنون تغطية وجودهم في لبنان» يقول عبد الله بابتي.
«لماذا البحث عن القاعدة الآن؟ ولماذا التركيز عليها وهذا لا يخدم الا الاميركيين» يقول احد الناشطين الذين لطالما عملوا في الاوساط الجهادية في طرابلس، «الكلام على ابو رشيد الميقاتي كلام فارغ» يقول، وبعد حوار طويل يشير الى وجود شبان من القاعدة «اعرف هؤلاء جيداً، هم شبان شجعان، ونشأنا معاً في باب التبانة»، ويقول ان هؤلاء الشبان الذين كبروا في مناطق الفقر، شاركوا في اعمال المقاومة في العراق. إلا أن الاتصال بهؤلاء الشبان كان مستحيلاً لأسبابهم المعروفة سلفاً.
«لن يتحدث امير بلاد الشام امام الإعلام» يقول لنا احد الوسطاء الناشطين «من غير المفيد الظهور علانية في هذه المرحلة» يضيف، و«لن يظهر في طرابلس» خصوصاً، والسبب ببساطة أنه يعيش هناك، ولن يجري مقابلة في مقر إقامته، بحسب ما يفهم من الوسيط.
القاعدة ليست موجودة فقط في الحسبة وعلى الانترنت، إنها موجودة بين الناس، «الخلايا الموجودة اليوم في لبنان هم قاعدة القاعدة» يقول احد الناشطين العسكريين سابقاً، «هذه الخلايا (النائمة) نواة صلبة يمكن تفعيلها» وهي تنتشر بين طرابلس وصيدا، التي تربطها بمدينة الشمال اواصر تبدو أشد من تلك التي تربط بيروت بالعاصمة اللبنانية الثانية، ومن صيدا الى طرابلس الطريق ليست طويلة على الاطلاق. والخلايا النائمة كما يروي الناشط العسكري، قد لا تربط بعضها ببعض اتصالات مباشرة، وتربطها بقيادتها خيوط الاثير التلفزيوني، الا أنه ومن خلال كلامه، يتضح حجم التنسيق بين هذه الخلايا، التي في النهاية تلتقي ليس فقط عقائدياً، بل تنسيقيّاً حين تدعو الحاجة، وهي لم تدعُ بعد، بحسب الناشط، فـ«لم يعلن الشيخ اسامة أن الوجود الدولي هو قوات احتلال اجنبية تنبغي مقارعته وطرده». وأحد اسباب غياب التنسيق هو معرفة خلايا القاعدة النائمة أن بعضها أو جلّها أو أجزاء منها «مخترقة أمنياً من كل الاطراف الفاعلة في لبنان» هذه المعرفة باختراقات اجهزة امنية محلية وغير محلية لها، تدفع الى التساؤل لماذا لا تنظف القاعدة صفوفها؟ «قد يكون لم يحن الوقت بعد، أو أن الخلايا نفسها تعدّ اختراقها من هذه الاجهزة ضمانة لها في زمن السبات الطويل».
«حصول هجوم على القوات الدولية في لبنان لا ينفي ما اقول من عدم وجود للقاعدة فيه» يقول شعبان، الذي يرى، بصفته من حركة التوحيد اضافة الى الجماعة الاسلامية، التنظيمين الجهاديين الوحيدين في لبنان حالياً، أن عدم وجود فعلي لتنظيم القاعدة لا يعني ببساطة غياباً تاماً «السلفيون في لبنان (الشق المؤيد لأسامة بن لادن) يكادون يكونون تنظيم القاعدة» يقول شعبان، الذي يستدرك أن لبنان يدوّر الزوايا.
مصادر التمويل للجمعيات السلفية كلها خليجية، من هذا الاتجاه او ذاك، إلا أن وجود هذا التمويل لا يعني انتشار القاعدة تلقائياً. «القاعدة لا تؤلف إطاراً تنظيمياً بالمعنى الدقيق للكلمة» يؤكد الشيخ محمد خضر، ويضيف مشدّداً: «لا علم لي بتأليف خلايا للقاعدة في طرابلس وفي لبنان».
كم قاعدة في لبنان؟
«يستطيع الفقراء أن يشاركوا في تظاهرة ما تعبيراً عن غضبهم، لكن هل يمكنهم المشاركة في اعمال منظمة او متابعة التقنيات الحديثة على نمط القاعدة؟» يسأل بلال شعبان. «لا ضرورة لوجود انترنت واتصالات متطورة، القاعدة تعمم توجهاتها عبر الفضائيات العربية والاجنبية» يقول المسؤول العسكري السابق للتنظيم الجهادي، اذ تستخدم القاعدة الجزيرة والعربية ووكالات الانباء لبحث توجهات التنظيم، ومنها طبعاً ضرورة إسقاط القرار 1701.
على ارض الواقع، في مدينة طرابلس والمناطق المحيطة بها وصولاً الى عكار وأطراف الحدود مع سوريا، تنتشر ثلاثة انواع من القاعدة بحسب مصادر معلومات متقاطعة: خلايا نائمة، تمتد نحو صيدا وتضم مقاتلين سابقين ذهبوا الى العراق وعادوا منه. وبرغم أن اجهزة الدولة اللبنانية اعتقلت جميع هؤلاء عقب عودتهم، إلا أنهم ما زالوا ناشطين في العمل الاسلامي.
النوع الثاني، وهو الجمعيات السلفية التي يتمتع اغلبها بوضع شرعي، وبعض الجهاديين الذين ربما كانوا في الماضي القريب من الجماعة الاسلامية او من حركة التوحيد، وهم اليوم يميل هواهم الى حيث يشير اسامة بن لادن، وهؤلاء ليسوا بقلة عدداً ونوعاً.
النوع الثالث، وهو الأكثر انتشاراً، من الفقراء الذين يحملون شعوراً كبيراً بالظلم الاجتماعي والديني حتى، نتيجة الحملات الطويلة لمكافحة التطرف التي لم تعالج اسباب الظاهرة بل عوارضها الجانبية، والذين يتجمعون في المساجد ويرفعون اصواتهم بالدعاء للشيخ اسامة بطول العمر وبالنصر.
وفي كل الاحوال فقد انتزع الشبان دور علماء الدين والمبشرين والدعاة من ايدي الكبار في السن، وصارت الدعوة الاسلامية في هذا الاتجاه او ذاك اقرب الى ارواح الناس، وبات الشيوخ يتبعون الشبان الناشطين في كل اتجاه.
(حلقة ثانية وأخيرة)

اجزاء ملف "القاعدة في بلاد الشام وطرابلس مدخل إلى الجهاد":
الجزء الأول | الجزء الثاني