انطوان سعد
تدور الأسئلة المطروحة اليوم على بساط البحث في لبنان كلها حول موضوع الثقة. من مجيء القوات الدولية إلى استكمال انتشار الجيش، إلى البدء بإعمار المنازل والمعامل المهدمة، واستئناف الرحلات الجوية والبحرية، وإصلاح الطرقات والمرافق العامة والخاصة، كلها أمور تنتظر جواباً على سؤال واحد يطرحه جميع اللبنانيين: كيف نعيد بناء الثقة في ظل الوضع الحالي؟
أما الجواب على هذا السؤال فينتظرونه بالدرجة الأولى من حزب الله، ذلك أن إسرائيل، الدولة العدوة، التي لا يستطيع اللبنانيون أن يطالبوها بشيء، ماضية في مشاريعها مدعومة من المجتمع الدولي الذي يتطلع إلى استقرار في لبنان والمنطقة على قاعدة تنفيذ القرار 1701 المتضمن حكماًَ تنفيذ القرار 1559. غير أن حزب الله، المدرك أن الوضع لا يسمح له وللبنان بالعودة إلى ستاتيكو ما قبل 12 تموز، كما يتمنى، لم يبد حتى الآن الاستعداد الكافي المطلوب لإعلان ما ينتظره منه فريق من اللبنانيين. وإن كان الحزب قد أبدى، عبر موقف وزير الدفاع الياس المر الكثير من المرونة والمؤشرات الإيجابية حيال التزام وقف إطلاق النار.
وتشير أوساط حزب الله إلى أن قيادته تقر بأنه "من الخطأ التعاطي مع الوضع كأن شيئاً لم يحصل"، وإلى أن هناك استعداداً للبحث في كل الأمور، عندما تستتب الأوضاع أي عندما تتعزز ثقته بأنه غير مستهدف في وجوده وفي الوضع الأمني لقياداته التي ترصدها إسرائيل باستمرار وتحاول الإمساك بها أو تصفيتها. ويلفت أصدقاء حزب الله إلى أنهم يخرجون بانطباع، بعد كل اجتماع مع مسؤولي الحزب، بأن "لهؤلاء هواجس حيال عملية الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لهم وحيال إمكان وجود صفقة غير معلنة بين بعض أركان الدولة والولايات المتحدة متعلقة بإنهاء دور حزب الله في المرحلة المقبلة، على رغم أن هذا البعض يتودد للحزب ويؤكد له أنه متضامن معه إلى أقصى الحدود لكنه عرضة لضغوط محلية ودولية جمة".
بيد أن أوساط الأكثرية ليست مقتنعة بمشروعية مخاوف حزب الله، معتبرة أنه مبالغ فيها. فالحزب الذي لم تتمكن إسرائيل من القضاء عليه لا يمكنه أن يخشى انقلاباً داخلياً عليه إن هو بادر إلى خطوات إيجابية على صعيد تعزيز سلطة الدولة ونزع الذرائع من يد إسرائيل كي تتوقف الأسرة الدولية عن تغطية أعمالها العدوانية تجاه لبنان. وتضيف قيادات الأكثرية الحاكمة أن حزب الله يتمتع بتأييد شعبي كبير لا يمكن لأحد تجاوزه، وله تحالفات داخلية قوية تمنع استهدافه، وأن كل مخاوفه أو هواجسه لا يمكن تفسيرها إلا بوجود رغبة قوية عنده في عدم تسليم سلاحه وفي استمرار تحالفاته الإقليمية مع سوريا وإيران التي تخوض مواجهة قوية مع الأسرة الدولية. وتُدرج الأكثرية استعدادات حزب الله للبحث في كل شيء بعد استتباب الوضع في خانة كسب الوقت تمهيداً لاستكمال انتشار الجيش والقوات الدولية والعودة إلى ستاتيكو ما قبل 12 تموز الماضي.
إنها حلقة مفرغة، لا يبدو أن ثمة استعداداً لكسرها حتى الآن لأن غياب الثقة بين الجانبين ليس مرشحاً للتبدد في الأيام المقبلة. لذلك تشير مصادر مطلعة إلى أن المخرج من هذا المأزق سيكون من محور آخر يعمل عليه وزير الدفاع الياس المر الذي يقوم بدور مهم على صعيد تحقيق اتصال غير مباشر بين الولايات المتحدة وحزب الله من أجل تأمين الضمانات اللازمة لفتح الباب أمام وصول القوات الدولية وانتشارها جنوب نهر الليطاني. وتقول المصادر إن الوزير المر نقل إلى الأميركيين التزام حزب الله بعدم إطلاق الصواريخ وبوقف إطلاق النار انطلاقاً من تحسس الحزب لما مر به اللبنانيون في فترة الحرب الأخيرة، وبناء على عملية إعادة البناء الشاملة التي شرع بها على رغم أن إسرائيل تخرق باستمرار وقف النار والتي تحمل في طياتها التزاماً ضمنياً لا بل صريحاً من جانب حزب الله بالتهدئة على المدى الطويل.
وفي انتظار علامات الثقة المتبادلة بين الأكثرية وحزب الله التي من شأنها أن تعطي جرعة الأمل المطلوبة من اللبنانيين لاستئناف حياتهم وشروعهم بعملية إعادة بناء وطنهم والتي لا يبدو أنها متوافرة في المدى المنظور، يبدو أن الخيار المتاح هو انتظار استكمال انتشار الجيش ومجيء القوات الدولية وانتشارها. إنها دبلوماسية الخطوة خطوة التي اشتهر بها وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر فهل لا تزال ناجعة؟ إن غداً لناظره قريب.