سكان «الحدود» مع سوريا يرحبون بالجيش ... ويتخوفون
الهرمل - رامي بليبل
نثرت «أم فؤاد» الأرزّ والورود على قافلة الجيش اللبناني التي اخترقت «ضيعتها الصغيرة» فجراً على الحدود اللبنانية السورية، مرحبة بهم وهي تقول «أهلاً بجيشنا الوطني حامي الأرض ولقمة العيش»، مكررة تلك العبارة عدة مرات وكأنها تريد إيصال هواجسها إلى مسامعهم. «فأم فؤاد» أمّ لخمسة أيتام تتكئ في معيشتها على عدة «خوابٍ» من الحليب تبيعها والقليل من جنى بضع شتلات زرعتها في باحة منزلها المتواضع لتشتري بثمنها من «زيتا» السورية خبز يومها وما تحتاجه «طبختها» وهي كما الكثيرون تخاف على لقمة عيشها التي لا تجنيها إلا «بدموع العين».
لم يترك الجيش اللبناني برجاله وعتاده معبراً ــ شرعياً كان أو غير شرعي ــ إلا استحدث عنده نقطة للمراقبة، منفذاً خطّة الانتشار على الحدود اللبنانية السورية على طول الخط الممتد من جرود عرسال، مروراً بالفاكهة وجرود رأس بعلبك والقاع وسهل بيت الطشم والشلمان وصولاً إلى حوش السيد علي ومطربا وجرود الهرمل حتى نقطــــــــة العبـــــوديـــة شمالاًالانتشار الذي يقابله الأهالي بالترحيب حيناً وبالحذر حيناً آخر يأملون أن لا يكون مع الدهر عليهم، فمعظم عائلات تلك القرى تعتاش من «التجارة» بين سوريا ولبنان أو ما اصطلح عليه «بالتهريب» إضافة إلى كل مقومات الحياة بدءاً من الكهرباء والماء والهاتف والمواد الغذائية والطبابة والجيران وصفوف التعليم وسهرات السمر إلى العلاقات الاجتماعية وغيرها «فالخدمات اللبنانية لم تصل إلى هناك بعد حتى الآن» بحسب ما عبّر أبو أحمد «متهكماً» وتابع: « لم توفر طائرة الاستطلاع أو «أم كامل» كما اشتهرت «شاحنتي الصغيرة» وقد استدنت لأشتري واحدة أخرى «مسكّجة حالها»، فكل همّه تأمين مؤونة سنة لم يعرف حتى الآن كيف ستنقضي عليه أيامها، خائفاً أن ينقطع باب رزقه الوحيد بعد أن انقطعت في لبنان كل أبواب الرزق.
الكثيرون يخافون أن تغلق أبواب أرزاقهم، لكن مصدراً في الأجهزة الأمنية أكد أن الانتشار جاء ليضبط الحدود ويمنع تهريـــــب السلاح والعتاد العسكري، ملمحاً بطريقة غير مباشرة إلى أن التعرض للقمة عيش الفقراء ممنوع، ولكن «بالحدود المقبولة».
بضعة أيام مضت منذ بدء فوج التدخل الأول انتشارة في قرى وبلدات البقاع الشمالي، حيث يقوم بدوريات راجلة ومؤللة صباحاً ومســـاءً، لعلّه يحظى بفريسته المنتظــــرة.
وسيستكمل خلال أيام قليلة انتشاره، معززاً بذلك السيادة التي تخرقها الطائرات المعــــادية كل يوم.
أما ما انتشر ودخل كل بيت فهو الرعب والخوف من المجهول الآتي ولا سيما أن هناك أصواتاً تطالب بقوات أممية مرافقة للجيش. تقول الشائعات التي سرت كالنار في الهشيم إنها ستضرب بيد من حديد حتى أضحت أمسيات الأهالي مليئة بأخبار وتحليـــــلات.
أهم ما يقوله البعض أنه «غداً ستكثر السيارات المفخخة» والبعض الآخر يقول «ستتغير عادات وتقاليد أهل الضيعة» وغيرها من التأويلات إلى درجة أن بعض الأطباء تركوا مستشفياتهم وسافروا و«الحبل عالجرار».
السوريون لوّحوا بإغلاق الحدود التي ستغلق معها بيوت الكثيرين من الفقراء، مع الإشارة إلى أن آلاف العائلات ليست لبنانية إلا «بالهوية وعند الانتخابات» وأفرادها خائفون ويتساءلون هل تقف سلة المهمات المناطة بالجيش عند حدود المراقبة وضبط الأمن؟ أم أن القائمة مفتوحة على مهمـــــــات أخرى يخـــــــشى البقــــــاعيون تطوّرها إلى حدود لا تحمد عقبــــــاهـــــا.
وتنهي «أم فؤاد» حديثها المشوّق البلدي وتنهض لتسكب الشاي وهي تردد «الله يديمها نعمة». تقوم بواجباتنا، وتتركنا لتحلب بقرتها، فالوقت قد تأخر.