جورج شاهين
تتوقع مصادر واسعة الاطلاع أن يتحول الحديث عن مصير الحكومة مادة سجال بالغ الحدة بعد التقرير الأول للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان المنتظر منتصف أيلول المقبل، عندما تتوضح المعطيات المحيطة بالدعوة إلى التغيير والسعي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ويتوقع أن تكون هذه المواجهة قاسية، في حجم التعادل السياسي الذي يمثله دعاة التغيير من جهة، والمدافعين عن التركيبة الحالية من جهة أخرى، بحيث إن أجواء الانتصار الذي حققه “حزب الله” تساوي في حجمها ونتائجها ما تتمتع به الأكثرية الحاكمة من قوة عددية، عدا قدرة الساعين للتغيير على إحداث دفرسوار قوي من الداخل الحكومي على طريقة “حصان طروادة” الذي يمتلكه هناك “حزب الله” وحلفاؤه.
وفي المعطيات المتوافرة لدى الأكثرية أن الحكومة ومن وراءها بدأوا يتحسبون لمثل هذه الدعوات إلى التغيير قبل أن تلقي الحرب أوزارها، ولو في الكواليس السياسية وعلى هامش المفاوضات التي رافقت الحرب، والتي كانت تقول بـ“استحالة” تسليم الحزب “ولو شفرة” من سلاحه إلى الحكومة الحالية بالذات، أو أي ورقة من أوراق التفاوض والذي كان يحاول البعض التلميح إليه عبر المطالبة بتسليم الأسيرين الإسرائيليين إلى الحكومة لتحسين موقعها التفاوضي، قبل أن “تفبرك” المشاورات الداخلية النقاط السبع التي حملها الرئيس السنيورة إلى مؤتمر روما، والتي شكلت القاسم المشترك في حده الأدنى والذي خفف التشنج الحكومي من الداخل.
وتعترف هذه المصادر بأن الدعوة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى تأليف حكومة اتحاد وطني والتي جاراه فيها العماد ميشال عون مطلع الأسبوع الجاري وغيرهما من الحلفاء قد فتحت كوة كبيرة في “الجدار السميك” الذي غلّف الخلافات الحكومية من الداخل، الخلافات التي “عصفت بصمت” بين فريق الأكثرية من جهة و“حزب الله” وحلفائه من جهة أخرى، ونجحت الاتصالات في تطويقها تحت شعار حماية الوحدة الوطنية إبان العدوان.
وعلى هذه الخلفية تتداول الأوساط السياسية بعيداً من الأضواء سيناريوهات عدة لإسقاط الحكومة، يقول أحدها باستقالة وزراء أمل وحزب الله ووزراء رئيس الجمهورية “المتحمس لترحيل الحكومة ولو بمفعول رجعي”، وهو الأمر الذي قد يستدعي “استحضار” وزير الداخلية “المستقيل ــ الجاهز” لاستئناف مهامه في أية لحظة لإعادة تكوين الثلثين حتى يتوافر النصاب القانوني. وهنا تتوسع السيناريوهات ويتحدث بعضهم عن “مفاجأة” لا تستبعد اعتكاف أو استقالة وزير أو اثنين اعتراضاً على استمرار النشاط الوزاري في غياب وزراء طائفة بأكملها، وهو ما يفقد الحكومة مقومات الاستمرار والقدرة على عقد جلسات دستورية.
حيال هذا السيناريو الذي يرمي إلى إسقاط الحكومة “بالضربة القاضية” يقول أحد وزراء الأكثرية: إن مثل هذا الاحتمال متوقع، وقد جرت محاولات سابقة لتحقيقه، لكن القرار كان واضحاً “بالمواجهة حتى النهاية بكل ما أوتينا من قوة”.
ويضيف: “إن مثل هذا الأمر لا يمكن البناء عليه بحجة فشل الحكومة، بقدر ما هو محاولة لترجمة “نصر مشكوك فيه” ويأتي بمثابة “الانقلاب” على الحكومة، وهي التي اضطرت لأن تخوض حرباً لم تكن حربها، بعدما استدرجنا حزب الله إليها ووضعنا في أتونها الحارق، لكنها تمكنت من تجاوز سلبياتها، ونجحت في الحصول على القرار 1701 الذي وفر انتقالاً بالبلاد إلى مقربة من شاطئ الأمان”.
إلى ذلك يقول الوزير نفسه: “ينص قرار الأكثرية صراحة على الاحتفاظ بالحكومة الحالية حتى عام 2009 نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي ما دامت من إنتاجه ولا تزال تتمتع بثقتها”. ولكن فات الوزير أن هذا الأمر مستحيل، فاستقالتها تصبح حتمية بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية الممددة حتى تشرين الثاني 2007.
ويختم الوزير عينه بالقول: “مهما كانت الظروف التي سيطرح فيها التعديل الحكومي، وفي حال الإصرار عليه، فإننا في المقابل سنعمل على إسقاط رئيس الجمهورية وتغييره”... مغفلاً إمكان الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، على يد أكثرية تنشأ على نحو مفاجئ، في ظل الاحتقان الذي سيولده الصراع الحاد بين الدعوة إلى إسقاط الحكومة والدعوة إلى إسقاط رئيس الجمهورية.