انطوان سعدتتساءل أوساط مسيحية عن خلفية الموقف الأخير للسيد حسن نصر الله من تأليف حكومة اتحاد وطني، وما إذا كان يندرج في خانة اتباع نهج جديد يرمي إلى إصلاح التوازن المختل بين الطوائف، أم أنه مجرد مناورة لاستنهاض المسيحيين والزجّ بهم في النزاع الصامت بينه وبين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي لإسقاط الحكومة. ذلك أن الحزب، كسائر القوى التي تحالفت مع الوصاية السورية، ساهم، في شكل أو آخر، في تهميش الدور المسيحي. وكان شريكاً في التحالف الرباعي الذي رسّخ هذا التهميش، عبر تركيب اللوائح الانتخابية.
رُبّ قائل إن بعض المسيحيين وافق على التهميش في مجلس النواب والحكومة وغطّاها وشارك فيها، من خلال الانضواء في التحالف الرباعي والتمسك بالتحالف مع المستقبل والاشتراكي، وإن هذا البعض لا يزال يغطي هذه العملية، فلماذا ينحى باللائمة على حزب الله وحده؟
لكن الواقع أن مساهمة حزب الله في ضرب التمثيل المسيحي لم تقتصر على مجلسي النواب والوزراء، بل طالت أيضاً موقع رئاسة الجمهورية على رغم أن العماد إميل لحود لم يوفر أية فرصة لإثبات دعمه لحزب الله وحقه في حمل السلاح منذ 1993، بيد أن ذلك لم يقنع الحزب بعدم رد رسالة الرئيس إلى مجلس النواب، عشية الانتخابات، والتي طالب فيها بقانون انتخابي يحفظ صحة التمثيل ومقتضيات العيش المشترك. وذهب أحد نواب الحزب إلى حد توجيه انتقاد لاذع الى الرئيس معتبراً أن النواب ليسوا ضباطاً لديه يتلقون أوامره! أما التبريرات لموقف حزب الله فكانت في حينه أنه قلق من التبدلات التي شهدها لبنان بعد انسحاب القوات السورية وأنه في صدد ترتيب أوضاعه مع القوى الفاعلة حتى لا يكون في دائرة الاستهداف الدولي. وفي أية حال، هذا ما ظنه رئيس الجمهورية، بحسب مصادر مطلعة أضافت أن لحود لم يسأل الحزب حتى الآن عن تصرفه بهذه الطريقة.
وفي معرض التساؤل عن خلفيات الموقف الأخير للحزب من التوازن الطائفي وتأليف حكومة اتحاد وطني، يجد المسيحيون أنفسهم مجدداً مضطرين إلى الاختيار بين أمرين: السيادة الوطنية أو تعزيز دورهم في المعادلة اللبنانية. وهذا الاختيار مطروح عليهم منذ عام 1978 عندما اشتبكت تنظيماتهم المسلحة مع القوات السورية بعدما فضّلوا اختيار السيادة على تحالفهم الظرفي مع سوريا الذي لم يدم سوى بضعة أشهر. واستمروا يخسرون مواقعهم، واحداً تلو الآخر، حتى أضحوا في وضع صعب على المستوى السياسي، فيما كانت الطوائف الأخرى تعزز مواقعها عبر التحالف مع السوريين طوال ما يقارب 30 سنة. فهل يختارون الانحياز إلى مشروع مواجهة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وإن أدى الأمر إلى الفوضى التي يخشاها كثيرون، وإلى سقوط الحكومة القادرة نظرياً على اتخاذ قرارات قد يحتاج إليها لبنان في الفترة المقبلة؟ أم سيختارون الاستمرار في تغطية الحكومة على رغم أن لا دور لهم فيها، ولا أمل، على ما يبدو، في المديين القصير والمتوسط، أن يكون ثمة استعداد لتصحيح الخلل، لتبقى هناك سلطة قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة؟
تاريخياً، لم يكن المسيحيون ليترددوا أمام هذا الخيار. غير أن ما جرى في السنوات الـ 40 الأخيرة، وبخاصة بعد انسحاب الجيش السوري، يدفع الى التروّي قبل الاختيار. وبين الانحياز الى السيادة الوطنية وقيام الدولة القادرة على ضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار الذي درجوا عليه إلى حد اتهامهم باحتكار السيادة، وبين الشكوى من واقع التهميش الكامل الذي يعانونه، ترى شخصية سياسية مخضرمة أنه لا بد من خيار وسط يتناسب مع وضعهم السياسي والديموغرافي وتقول: «ليتمسّكوا بحصتهم من السيادة، وليتأدّبوا بآداب حصتهم».