لم يُرفع الظلم عن 18 مفتشاً وثلاثة ضباط في المديرية العامة للأمن العام بعد. بُحّ صوتهم طوال تسع سنوات، لكن حقّهم لا يزال ممنوعاً عنهم. ليس هذا فحسب، فالتوجّه ينبئ بأن «التسوية المطروحة» ستُذهب السنين التسع الماضية هدراً. فرغم الاعتراض المسبق، يتردد أن التوجه ينحو صوب التصويت على «مخرج» لترقية المفتشين إلى رتبة ملازم بدلاً من نقيب. التسوية المفترضة لا ترقى إلى ما يُطالب به المفتشون، إذ يؤكد هؤلاء موقفهم القائل «نريد حقنا بالكامل». أضف إلى ذلك، فإن التسوية المذكورة ظالمة بحق الضباط الثلاثة الذين يحملون رتبة ملازم أول (داني أبو جودة وداني إسحاق وبهيج مشموشي)، إذ إن هؤلاء الثلاثة لن يستفيدوا من الرتبة الممنوحة على الإطلاق.
في جلسة لجنة الإدارة والعدل التي عُقدت نهار الأربعاء الماضي لبحث اقتراح قانون ترقية المفتشين، تقدم النائب علي عمار باقتراح لحل المشكلة. رأى أن الأزمة وصلت إلى حائط مسدود، فطرح منح المفتشين رتبة ملازم أول مع إعطائهم سنة أقدمية. ورغم علمه بأن أصحاب العلاقة غير راضين بهذه الصيغة، بحسب ما يؤكد أحد المفتشين، أشار إلى أن البطريرك بشارة الراعي اتّصل به متمنياً إنهاء أزمة المفتشين ومنحهم حقّهم. هنا تدخل وزير الداخلية والبلديات مروان شربل. انطلق شربل في كلامه ليقول إنه يمثل المديرية العامة للأمن العام، مؤكداً «أنا أوافق على الاقتراح المطروح»، لكن النائب سمير الجسر قاطعه قائلاً: «يا معالي الوزير بعرفك حقّاوي، وهول الشباب مظلومين منذ عام 2002». وقد أشار الجسر إلى أن المضي بهذا الاقتراح يعني إبقاء الظلم عليهم وحرمانهم من الحق الذي يفترض ألا يتجزّأ . وأكمل حديثه متوجّهاً إلى الوزير شربل: «أنا معي مستندات إذا شفتا أكيد رح تغيّر رأيك».
وفي هذا السياق، ينقل أحد المفتشين لـ«الأخبار» أن النائبين سمير الجسر وروبير غانم أكدا لهم أنهما ماضيان حتى النهاية إلى جانبهم. وإذ يؤكد المفتش نفسه أن «النائب روبير غانم كان قد اقترح في جلسة سابقة أن يكون هناك حل وسط حفاظاً على التراتبية العسكرية»، يلفت إلى أن الأخير «عاد وأكد أن هؤلاء الشبان مظلومون ومن مهمات مجلس النواب رفع الظلم عنهم». ويشير المفتش المذكور إلى أن معظم الأطراف السياسية متعاطفة معهم، مستغرباً إصرار المديرية على منعهم من حقّهم.
وسط الأخذ والرد الحاصلين، يظهر جلياً «ظلم المديرية وتقاعس القضاء المتمثل في مجلس شورى الدولة»، إذ إن المنطق يحتّم أن يقول القضاء كلمته، لكن هذا ما لم يحصل. فرغم مرور تسع سنوات على تقدم أصحاب العلاقة بالطعن أمام مجلس الشورى، لم يتحرّك القاضي المعني لحسم النزاع. وفي هذا السياق، يُنقل عن أحد النواب وصفه الوضع بـ«الكارثي»، مشيراً إلى أن العدالة في هذه الحالة تقتضي إبطال الدورة. ويؤكد النائب أن ذلك لن يعدّ سابقة، مذكّراً بحالة مشابهة حصلت عام 2007، عندما أُبطلت دورة مماثلة للأسباب نفسها.
وبالعودة إلى إمرار اقتراح القانون في مجلس النواب في المرة الماضية، يذكر أن القضية أحدثت جلبة كبيرة، لا سيما أن الملف كان لا يزال عالقاً أمام مجلس شورى الدولة. وإزاء ذلك، انقسمت المواقف ولا تزال. فمن جهة، يؤكد رافضو منح الترقية للمفتشين أنها إذا أُقرّت فستُحدث خللاً في التراتبية العسكرية، باعتبار أن اقتراح القانون يلحظ ترقية المفتشين المعنيين إلى رُتبة نقيب بمفعول رجعي، وبذلك ستُقلب الآية داخل المديرية الأمنية لجهة أداء التحية والرتبة العسكرية، فيُصبح الرئيس مرؤوساً في عدد من الحالات. في المقابل، يتحدث مناصرو إقرار اقتراح القانون عن ظلم سيُرفع بفضل النواب. وسط ذلك، يقف عدد من المفتشين المظلومين في حالة حيرة، ويستغربون الهجمة التي يتعرضون لها من زملائهم في السلك، مشيرين إلى أنه رغم المخالفات الجوهرية التي طاولت أصل مباراة التطويع التي أُجريت عام 2002، والتي كان من الأجدى إلغاؤها، فإنهم يقبلون تحصيل حقّهم ولو جاء متأخّراً.
لقد حاز اقتراح القانون إجماع اللجان النيابية الثلاث (لجنة الدفاع والداخلية، لجنة الإدارة والعدل، لجنة المال والموازنة)، وجرى إمراره في الجلسة العامة لمجلس النواب، ورغم ذلك فإن رئيس الجمهورية ردّه إلى اللجان لإعادة النظر فيه. لقد طال أمد الظلم على المفتشين والضباط. رئيس الجمهورية والمديرية العامة للأمن العام والقضاء يتحملون المسؤولية. منذ يومين، رُفعت الجلسة وأُرجئ التصويت على الاقتراح إلى الأربعاء المقبل. أنظار 21 عسكرياً في الأمن العام شاخصة باتجاه المجلس النيابي. فهل يعود الحق إلى أصحابه؟
يذكر أن «الأخبار» كانت قد حصلت على ملف بشأن مباراة التطويع التي أُجريت بتاريخ 4/4/2002 بموجب القرار رقم 217 الصادر عن وزير الداخلية والبلديات، آنذاك، الياس المر، الذي حدد «شروط تعيين ملازمين في الأمن العام من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق»، والذي يؤكد أنها تضمّنت عدداً من المخالفات ناهز عددها 13، أبرزها مخالفة شرط السن المحددة سابقاً، وقبول خمسة ضباط تجاوزوا الحد الأقصى المحدد للعمر. كذلك فإنّ الاختبار النفساني أُعيد لمن رسب فيه، ونتائج الاختبار أُلغيت حتى بعد إعادة إجرائه. وتحدثت أوراق الملف عن خفض معدّل الاختبار الرياضي إلى علامة 5/20، تسهيلاً لمن خشي رسوبه، ورغم ذلك أشارت إلى قبول ضابطين حازا أقل من خمسة على عشرين.



إبطال الدورة

يذكر أحد المعنيين أن عزوف مجلس شورى الدولة تسع سنوات عن بتّ النزاع يطرح العديد من التساؤلات، مشيراً إلى أن بتّ نزاع كهذا لا يُعدّ سابقة، إذ إنه في حالة مشابهة، تتعلق بالمباراة التي أجريت في 2006 لتطويع ملازمين من فئة مفتشين ممتازين وما فوق، من دون حيازة إجازة، والمعروفة بدورة الـ56، قرر مجلس شورى الدولة إبطالها، وأُلغيت الدورة التدريبية جرّاء قيام الإدارة بتعديل واحد في معدل إحدى المواد بعد إجراء الامتحان، كذلك يشير إلى حالة مشابهة جرت عام 1988، عندما أُجريت دورة تطويع لمئة مفتش، طعن 12 منهم في النتائج أمام مجلس شورى الدولة، فجرت ترقيتهم إلى رتبة نقيب بمفعول رجعي أُسوة بزملائهم الباقين. انطلاقاً من ذلك، وبما أن هناك أكثر من سابقة، فإن ترقية المفتشين الواحد والعشرين لن تُحدث خللاً في التراتبية، كما يُشاع.