بعد أقلّ من أسبوعين، تنتهي مهلة الرجوع عن الترشح للانتخابات البلدية التي ستجرى في 62 بلدية منحلة أو مستحدثة، والاختيارية التي ستجرى في بلدتين اثنتين. لمحافظتي الجنوب والنبطية حصة قليلة في الدورة الاستثنائية التي تنظم بعد عامين تماماً من الدورة العادية لعام 2010. حتى الساعة، تستعد بلدتا إبل السقي (قضاء مرجعيون) وعلما الشعب (قضاء صور) لانتخاب مجلسيهما البلدي، في مشهد ارتسم قبل عامين. لكن العبرة في الخواتيم، وخصوصاً أن العملية الانتخابية السابقة فرط عقدها في الساعات الأخيرة بسبب الخلافات بين الفاعليات. إلا أن كلاً من طيرحرفا (قضاء صور) والبيسارية (قضاء صيدا) وياطر (قضاء بنت جبيل) وصفاريه وكفرجرة (قضاء جزين)، ستتوجه مجدداً إلى صناديق الاقتراع بعدما انفرط عقد مجالسها البلدية تدريجاً. فيما ينتظر أن تختبر بلدتا الخلوات والدلافة (قضاء حاصبيا) وكفرشلال (قضاء صيدا) الانتخابات البلدية للمرة الأولى، بعد قرار استحداث مجالس بلدية لها.حتى مساء أمس، لم تكن فاعليات البلدات المقبلة على الانتخابات بعد ثلاثة أسابيع، قد كشفت أوراقها على الطاولة. في معظمها، لم يتقدّم أحد بترشحه رسمياً، أما في الدوائر الرسمية أو على المنابر المحلية، فرغم تسارع وتيرة اللقاءات والاجتماعات التنسيقية داخل العائلات والأحزاب لرصّ الصفوف والتحالفات والخلافات لمواجهة الاستحقاق، لكن الراجح، وفق المعطيات الحالية، أن العائلات في البلديات الشيعية خصوصاً، تستعد لدورة عام 2012 كأنها تدخل في معركة ثأر لاستعادة تكريس نفوذها وأحجامها التي «غيّبت» في عام 2010 بموجب التوافق بين «حزب الله» و«حركة أمل». هناك، يسعى الكثيرون إلى تطبيق معادلة «حكم العائلات التي أثبتت نجاحها في المجالس السابقة»، ولا سيما أن «العائلية» أيضاً استطاعت فرط أكثر من بلدية. وفي إطار «تثبيت شرط التوافق العائلي لا الحزبي لتركيب البلديات وإنجاح تجربتها»، يعرض المدافعون عنها لائحة طويلة من البلديات «الفارطة» ضمناً، أي المجمّد عملها بسبب عدم الانسجام بين الأعضاء الذين تلاقوا، تنفيذاً لقرار مرجعياتهم الحزبية ورغماً عن إرادة عائلاتهم.
الساحة العامة والأزقة الداخلية المعبّدة والمجمّلة بتمويل كويتي، هادئة وفارغة نسبياً في طيرحرفا الحدودية خلال أيام الأسبوع. هدوء لا يتوافر يوم العطلة في هذه الفترة، حيث يتنادى أبناؤها من أماكن سكنهم في صور أو بيروت. على نية الانتخابات، تعمر السهرات في البيوت حتى وقت متأخر؛ إذ تلتئم كل عائلة للتباحث في آلية مشاركتها في الانتخابات لناحية حجم تمثيلها ونوعيته. مع ذلك، فإن طيف حزبَيْ التوافق يظلل تلك السهرات، إذ يجول كوادرهما على العائلات لتركيب لائحة توافقية تجنّب البلدة معركة طاحنة يكون لها تداعيات يصعب حلها. لكن «سعاة الخير» يدركون أن مهمة إقناع البعض بالتوافق والتزكية، قد تكون مستحيلة بسبب فشل بلدية عام 2010، حين تقبّلت العائلات على مضض إرادة التوافق؛ إذ استنسب الحزبان حينها اختيار ممثليها من الرئيس إلى الأعضاء. الدخان الأخير المتصاعد من طيرحرفا يشي باحتدام الصراع على أكثر من محور: الأحزاب والعائلات والمستقلون الذين يستطيعون الخروج كلياً من جلباب انتماءاتهم الحزبية أو العائلية. بناءٍ عليه، لا يستبعد المعنيون ترشّح عدد كبير من أبناء البلدة، وتشكيل أكثر من لائحة، وإن كانت غير مكتملة، علماً بأن سبب استقالة سبعة من أعضاء المجلس البلدي، المؤلف من 12 عضواً، تمحور حينها حول «قيام أحد الأعضاء بالسطو على الأملاك العامة للبلدة أكثر من مرة بالتنسيق مع رئيس البلدية وافتتاح كسارات بدون علم المجلس واتهام الرئيس نفسه بالاستئثار بالقرار، وتوظيف الموظفين وإقالتهم وغيابه الدائم عن بلدته التي لا يقيم فيها ولا يحضر فيها إلا نادراً».
من تجربة الماضي، يستقي المدافعون عن خيار التوافق أسبابهم لتكراره في طيرحرفا، مشيرين إلى أن البلدية الأولى، التي شكلت عام 2004 ورفعت البلدة من نير الحرمان بعد 22 عاماً من الاحتلال «كان على رأسها مهندس شاب اختارته أمل من بين عناصرها، مثلما اختارت خلفه». وبذلك، يؤكد هؤلاء أن «العبرة في أداء الأشخاص لا في سوء اختيار الأحزاب».
صراع العائلات والأحزاب، يحتدم في بلدة البيسارية التي لم ينسف الخلاف مجلسها البلدي بل شعبة «أمل» فيها بسبب عدم التوافق على تسمية الرئيس، والتمرّد على القرار الحزبي برفض التشكيلة التي اختارها، ما دفع أعضاء «أمل» إلى تقديم استقالاتهم.
وفي ياطر تحاول العائلات، التي «فرطت» البلدية السابقة، فرض إرادتها منذ البداية، مستفيدة من نفوذها. علماً بأن سبب حلّ البلدية كان الخلاف على تسمية الرئيس. فالخرق الذي أصاب لائحة التوافق، جاء على حساب ممثلي «أمل» التي تقلص حضورها إلى أربعة أعضاء في المجلس، ما لا يسمح لها بتسمية الرئيس من حصتها كما كان يقتضي التوافق. ولأن ممثلي الحزب والمستقلين توجهوا لتسمية رئيس حزبي يمثل فئة معينة من آل سويدان وليس من آل كوراني بموجب التوافق، حصل خلاف عائلي قضى بحلّ البلدية.
بالنسبة إلى علما الشعب، العائلية تبني وتهدم في الوقت ذاته، بسبب عدم وجود نشاط حزبي أو سياسي فيها. قبل عامين، أدى الخلاف على حجم التمثيل ونوعيته بين العائلات الكبرى إلى انسحاب معظم المرشحين واقتصارهم على ستة أعضاء. العدد لم يكف قانونياً لإعلان فوزهم بالتزكية في المجلس البلدي المؤلف من 12 عضواً. أحد المعنيين توقّع أن تكون «المعركة أكثر ضراوة من الدورات السابقة بسبب تزايد الانقسامات داخل العائلة الواحدة وتزايد تدخل بعض أبناء البلدة النافذين المقيمين خارج البلدة أو المهاجرين». أول المدافعين عن حقوق العائلات، هم آل فرح وآل غفري، لكونهم يشكلون النسبة الأكبر من المسجلين والمقيمين في البلدة. لذا، فقد تولى شابان من العائلتين رئاسة البلدية الشبابية بين عامي 2004 و2010 مداورة. إلا أن عائلات أخرى من بين 30 عائلة ينحدر منها أبناء علما، يطالبون بحصتهم من التمثيل الكبير هذه المرة. وتعد البلدة بظواهر مختلفة ترافق الدورة الاستثنائية مثل توجه عدد كبير من الشبان والنساء للترشح. لكن الظاهرة الخلافية التي قد تتكرر، طرح أشخاص مقيمين خارج البلدة لرئاسة بلديتها. إشارة إلى أن البلدة الحدودية التي تعد 4 آلاف مسجّل في لوائحها يقيم منهم 750 في لبنان.



«حلّوا بالدور»

افتتحت بلدة البيسارية (قضاء صيدا) بورصة البلديات المنحلة في لبنان بعيد دورة عام 2010؛ إذ استقال أكثر من نصف أعضاء مجلسها البلدي بعد أيام قليلة من انتخابه بسبب الخلاف على منصب الرئيس. بعدها بثلاثة أشهر، وللسبب ذاته، تكرر المشهد في بلدة ياطر (قضاء بنت جبيل). وفي العام الفائت، انفرط عقد كل من مجلس بلديتي طيرحرفا (قضاء صور) وكفرجرة (قضاء جزين) الفائزين بالتزكية بسبب خلافات بين الرئيس وبعض الأعضاء. وكان مجلس بلدية صفاريه المستحدث (مؤلف من 9 أعضاء) آخر عنقود البلديات الجنوبية المنحلة قبل نحو شهر.