تداعيات الأحداث التي تشهدها سوريا منذ أكثر من ستة أشهر لا تقتصر على تقلص التبادل التجاري وتراجع حركة مرور الأشخاص وتدني الحركة السياحية بين لبنان وسوريا عبر الحدود الشرعية فقط، بل تعدّت ذلك الى حد إصابة «سوق تهريب الأجانب» عبر الحدود غير الشرعية بالكساد. فقد شهدت هذه الظاهرة، في الأشهر الأربعة المنصرمة، تراجعاً غير مسبوق على الحدود الجبلية الوعرة بين البلدين، بدءاً من مرتفعات بلدة دير العشائر في راشيا الوادي وخراج بلدتي ينطا وحلوة، مروراً بمرتفعات بلدتي المنارة والصويري المتاخمتين للحدود السورية، وصولاً الى نقطة المصنع الرسمية، وعلى طول الجهة الشمالية منها، في وادي عنجر وخراج بلدة كفرزبد حتى عرسال.فهذه المناطق كانت، في ما مضى، مسرحاً لعمليات تهريب منظمة تعبر خلالها «البضاعة المهرّبة» مسافات تصل الى ستة كيلومترات مشياً على الأقدام، ليصلوا الى «مزارع للمواشي» عند اطراف بعض هذه القرى، ثم يُنقلون الى بيروت ممدّدين في شاحنات صغيرة مخصصة لنقل الخضار، تغطيهم الأقفاص البلاستيكية.
ويُعزى تراجع حركة التهريب أساساً الى النشاط المتزايد لدوريات الجيش اللبناني على طول الحدود لضبط عمليات تهريب الأسلحة الى الداخل السوري، وخصوصاً بعد الاتهامات التي وجّهتها دمشق الى نواب وناشطين سياسيين من منطقة البقاع بدعم مجموعات ارهابية وتزويدها بالأسلحة.
«أبو الجمر»، أحد المهربين «المتخصصين» في تهريب الاشخاص من داخل الاراضي السورية وبالعكس، قال لـ «الأخبار» إن الأحداث في سوريا «عطّلت أعمالنا منذ نحو اربعة أشهر»، لافتاً الى أنه مع بدء الاحتجاجات السورية «شهد عملنا نشاطاً ملحوظاً لمدة شهر ونصف شهر». وعزا ذلك الى أن العمال المصريين والسودانيين الذين كانوا في سوريا قبل اندلاع الأحداث «قرروا الهروب قبل ان تزداد الأمور سوءا»ً، كما أن الإجراءات الأمنية على الحدود «لم تكن قد شُدّدت بعد». يؤكد «ابو الجمر» انه «يومياً يأتيني أكثر من اتصال من سوريا لتهريب أشخاص الى داخل الاراضي اللبنانية»، لكن العمل في ظل الإجراءات المشددة للاجهزة الامنية والعسكرية على طول الحدود البرية غير الرسمية، من الجهتين اللبنانية والسورية، «يشبه المشي في حقل ألغام»، إذ إن الأمن السوري «لا يرحم، وبس بدو كبش يتعلق فيه»، ولكي لا يصبح «السوداني والمصري مندسين، ويصير واحدنا مهرب سلاح، وقفنا الشغل»، لكنه لا ينفي ان عمليات تسلل لا تزال تحصل من داخل الاراضي السورية الى لبنان.
يكشف الرجل انه تعرض مع بدء الأحداث في سوريا للاعتقال من قبل دوريات حرس الحدود «الهجانة» التابعة للجيش السوري، وجرى سوقه الى إحدى المفارز الامنية في دمشق، من دون ان يعيروا اهمية لانتمائه السياسي الموالي للنظام السوري. «اتهموني بتهريب السلاح الى المجموعات الإرهابية»، قبل أن يتوسط احد الوجوه السياسية البقاعية النافذة للإفراج عنه.
المهرب عمار (اسم مستعار) يؤكد انه لا يزال يعمل في تهريب الأجانب من داخل الاراضي السورية الى لبنان، عبر نقطة حدودية في البقاع الاوسط، لم يسمها حرصاً على «سر المهنة»، لكنه يلفت الى أن الأعداد تقلّصت الى حد كبير، باعتبار ان السودانيين والمصريين كانوا يأتون عبر رحلتين في الطائرة، ليصل عددهم في الاسبوع الى نحو 400 شخص، «أما اليوم، فيأتي من كان يعمل أصلاً في سوريا». ويقول إن «نوعاً جديداً دخل على الخط»، مشيراً الى أن معظم من يهرّبهم هذه الأيام «بنات ليل» افريقيات ومصريات وعراقيات يجري تهريبهن سيراً على الأقدام. ويروي كيف تجري عملية التهريب من دون ان تطأ قدماه الأراضي السورية «لأننا، في عملنا، تعلمنا ألا نثق بالأمن». عدم ثقته بالأمن السوري جعله يشترط على المهرب السوري مرافقة الأشخاص المنوي إدخالهم الى لبنان عبر النقاط الأمنية السورية، «وأن يزبّط الوضع مع الهجانة ومع اي دورية امنية سورية». ويشير الى أن عمولته عن كل «رأس» تدنت بنسبة كبيرة خلافاً لما كان الوضع عليه سابقاً، «فالمهرب السوري بات يقبض 500 دولار على كل رأس يهرّبه من داخل الأراضي السورية حتى أتسلمه، لأن في الأمر مخاطر ورشرشة على الدوريات التي يصادفها»، فيما يقتصر دور المهرب اللبناني على نقل البضاعة متخطياً دوريات الجيش اللبناني المتمركز في معظم نقاط التهريب، «ثم نأخذهم الى مكان قريب للمبيت فيه قبل نقلهم الى بيروت، بواسطة بيك آب مخصص لنقل الخضار، وأحياناً في صندوق السيارة او في جيب مفيّم».
مصدر امني أكد لـ «الأخبار» ان عمليات تهريب الأجانب تراجعت بنسبة كبيرة، لكنه أشار الى أن «التهريب حالة لا تنتهي عند المعابر غير الرسمية، مهما كانت الاوضاع السياسية والامنية متفاقمة». وأشار إلى أن القوى الامنية تنشط على طول الحدود الشرقية «حتى لا يسجل أي خرق أمني يتمثل في تهريب السلاح الى سوريا».