يضم سجن القبة في طرابلس 1000 سجين، تقريباً، من مختلف المناطق. أكثرهم «حديثو العهد». القوى الأمنية المكلفة نقلهم إلى المحاكم لا تؤدي هذا الدور. تهدر أبسط حق من حقوق الإنسان الموقوف: المحاكمة. الحديث، هنا، لا يدور عن حالة أو اثنتين، أو عن حادثة استثنائية. جزء كبير من هؤلاء لا يحاكم في طرابلس. والسبب، بحسب آمر السجن الرائد فادي البيطار، هو أن إدارة السجن «لا تملك سوى آلية نقل واحدة». صعوبة «المواصلات» من السجن إلى المحكمة، وبالعكس، تؤدي إلى «حرمان عدد كبير من السجناء الوصول إلى المحاكم في المواعيد المحددة». هكذا إذن، آلية نقل واحدة لألف سجين. يعني ذلك أن الدولة عاجزة عن توفير آليات نقل لأشخاص قررت سجنهم، من دون أن تملك «أدوات» توفير العدالة لهم. سجن طرابلس كان يضم نحو 400 سجين قبل «الانتفاضة» التي شهدها سجن رومية المركزي العام الماضي. آنذاك قيل الكثير عن مشكلة الاكتظاظ في رومية. فقررت الحكومة عبر وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي، إحالة السجناء الجدد على «سجون الأطراف»، وكانت للقبة الحصة الأكبر، إلى أن أصابه الاكتظاظ هو الآخر. يغضّ بيطار النظر عن مسألة الاكتظاظ، ويلخّص الأزمة بـ«نقص آليات النقل، إضافة إلى نقص عديد العسكر الذين يقودون الآليات»، علماً أن السجناء تتوزع محاكمهم بين بيروت وبعبدا وطرابلس والبترون وغيرها. ويلفت إلى أنه طلب أخيراً تزويده الآليات والعديد اللازم، وقد فتحت لذلك اعتمادات من الموازنة، وحالياً «نعيش بالانتظار». وهذا الأسبوع، جاء «أول الغيث»، بعدما أصدر اللواء أشرف ريفي أمراً بتعزيز سرية السجون المركزية ابتداءً من 20/12/2011 بـ 210 أفراد من الذين أنهوا دورة تنشئة في معهد قوى الأمن الداخلي، إضافة إلى تعزيزها بالعدد اللازم من المركبات الآلية.
في حديثه مع «الأخبار»، بدا وزير الداخلية مروان شربل، الذي تتبع السجون وزارته إدارياً، منزعجاً من الواقع. وصف حال السجون بـ«الثوب المهترئ»، الذي ما إن يخيّط من مكان حتى «ينفتق» في آخر. وأوضح أن الوزارة طلبت سلفة من الخزينة لشراء آليات جديدة، لكن يبدو أن «الأمور تأخرت، ودخلنا في مشكلة جديدة». قد يبدو «تأفّف» المواطن من دولته مفهوماً، لكن أن «يفعلها» الوزير، فهذا أمر ملتبس، نوعاً ما. يعبّر شربل عن «امتعاض» شديد من البيروقراطية المعمول بها في الإدارات اللبنانية. فالحصول على السلفة لشراء الآليات «بحاجة إلى ألف توقيع وتوقيع، وألف موافقة وموافقة». هذا ما يؤخر الوزير، الذي يشرح: «عندنا في الدولة حتى المعاملة التي لا تكلّف سوى 5 آلاف ليرة، توضع عليها طوابع وتطبع من أجلها نسخ من الورق يتخطى سعرها أحياناً كلفة المعاملة».
يذكر أن سجن طرابلس يضم نحو 150 محكوماً، فيما الباقون، وعددهم نحو 850، لا يزالون قيد المحاكمة. أما بشأن آلية النقل الوحيدة الموجودة، فأشار البيطار إلى أنها تتسع لنحو 15 سجيناً، فيما يكون العدد المطلوب نقله بين 60 إلى 70 عادة، لذلك «نحاول أن نعرف مَن مِن السجناء يمكن أن يمنحه القاضي إخلاء سبيل، فتكون الأولوية له بالنقل». هكذا، يصبح رجال الأمن، من حيث لا يعلمون ولا يعلم أحد، «أصحاب رأي» قضائي، فيما يبدي العاملون في أقلام المحاكم والقضاة تذمراً من مشكلة عدم نقل الموقوفين، لأن القضاة، في حال عدم نقل السجين إلى قوس المحكمة، يضطرون إلى إرجاء جلسته إلى مواعيد بعيدة، تصل أحياناً إلى سنة. في حالات معينة، يمكن أن يحاكم السجين وينال البراءة، بعد قضاء فترة طويلة في السجن ينتظر مقعداً فارغاً في آلية.
الى ذلك، يشكو عدد من نزلاء سجن طرابلس وذويهم من «فساد» بعض رجال الأمن في السجن، الذين «يطلبون منا مبالغ مالية بغية نقلنا إلى المحكمة في موعد المحاكمة، ومن يدفع أكثر تكن له الأولوية»، لكن الرائد البيطار ينفي ذلك نفياً قاطعاً، مشيراً إلى أن بعض أهالي السجناء «يعرضون علينا أموالاً وهدايا للغرض المذكور، لكن نحن لا نقبل، وأنا أجزم بذلك»، فيما وعد الوزير شربل بأن تفتيشاً سيحصل حول المسألة، ودعا من يتعرّض لذلك من السجناء إلى إيصال الشكوى إلى الوزارة مباشرة.