ميرا عوض تمنح الدولة العبرية ما عجزت عن فعله ملايين الدولارت. هل من مشهد دعائي أجمل من فنانة عربية فلسطينية وأخرى إسرائيلية تغنّيان معاً على منصّة واحدة؟
حيفا ـــ فراس الخطيب
تنتمي الفلسطينة ميرا عوض، التي ستمثّل الدولة العبريّة في «مهرجان الأغنية الأوروبية»، إلى فئة فنانين يتباهون بأنّهم يرون الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي «من زاوية أخرى»، على رغم أنّهم على دراية تامة بأنّ لهذا الصراع وجهاً واحداً لا غير، فيه الجلاد والضحية والسجن والسجّان.
لكنّ الفنانة المنخرطة منذ زمن في المشهد «الثقافي» التل أبيبي، تصمّم على تجميل الواقع المأساوي بـ«رومانسية الانتهازيين». من هذا المنطلق، تركض لتبرّر قرارها تمثيل إسرائيل بعد العدوان الأخير على غزة إلى جانب الإسرائيلية أحينوعام نيني التي أيّدت الحرب عن سابق إصرار. ماذا يريد الإعلام الإسرائيلي أكثر من فنانة فلسطينية تمثّل الدولة العبرية لتظهر «وجهاً آخر» عجزت عن إظهاره وزارة الخارجية الإسرائيلية بكل ما أنفقته من ملايين الدولارات على الدعاية؟ وهل هناك مشهد دعائي أجمل من فنانة عربية فلسطينية وأخرى إسرائيلية (تؤيد الحرب وتدّعي اليسارية)، على منصة واحدة، تغنّيان بالعبريّة والعربية والإنكليزية؟ ولسخرية الأقدار أنّ الفنانتين، اللتين ستمثّلان كياناً صار رمزاً للاحتلال والوحشيّة والجرائم الدمويّة، تشاركتا سابقاً في أداء أغنيات شهيرة لفرقة الـ«بيتلز» تندرج ضمن أغنيات الاحتجاج التي اشتهرت في أميركا الستينيات وصارت رمزاً لمناهضة الحرب والدعوة إلى السلام والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الأقليّات والمهمّشين. حتى أنّ بعض الصحف الغربية عنونت مشاركتهما في «يوروفيجن 2009» تحت عنوان عريض هو «أعط السلام فرصة مع ميرا ونينا» في إشارة إلى أغنية الفرقة البريطانية الشهيرة.
يُطلق الإعلام الغربي لقب «ناشطة السلام» على نيني شريكة عوض في الأغنية. لكنّ هذا التعريف يبدو «ساذجاً» جداً: عندما كان الفوسفور يحرق جثث أطفال القطاع، وجّهت نيني رسالةً مفتوحةً إلى الغزاويين، مقمشةً بعبارات رخيصة في مخاطبة «إخوتها». وجاء في إحدى فقرات الرسالة التي نشرها الموقع الإنكليزي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»: «أنا أعرف أنكم في أعماق قلبكم تتمنون موت الوحش المسمّى «حماس» الذي حوّل غزة إلى كومة مهملات تعجّ بالفقر والمرض والبؤس. كل ما في وسعي فعله هو أن أتمنى لكم أن تقوم إسرائيل بعملها وتقضي على هذا السرطان من أجلكم»!
في هذا الإطار، تبدو الحماسة الإسرائيلية لمشاركة ميرا عوض في مهرجان «يوروفيجن 2009» غريباً. قوات الاحتلال التي تربط بين الفنّ والسياسة كما بين الفن والعسكر، تمنع، بدعم من الحكومة، فنانيين إسرائيليين من الغناء في مهرجانات رسميّة لأنهم «تنصّلوا من خدمتهم العسكرية».
ويبقى السؤال: كم من الوقت سيمضي حتى يفهم بعض «النجوم العرب»، أنّهم أداة تستعمل عند الحاجة. والقضية لا تقتصر على نجوم المشهد الفني التلّ أبيبي، بل تمتدّ لتمثّل حالة عربية إسرائيلية في السياسة والفنّ والمجتمع. هكذا، نرى النائب العربي عن حزب «كاديما» مجلي وهبة يطالب بمقاطعة قناة «الجزيرة» لأنّها «ليست موضوعيّة تجاه إسرائيل».
في 12 أيار (مايو) 2009، ستقف ميرا عوض على المسرح في موسكو إلى جانب أحينوعام نيني، ولن تكترث لنداءات الذين حاولوا إقناعها بعدم الانزلاق إلى هذا الفخّ. ستغني عوض ونيني بالعربية والعبرية والإنكليزية. علماً بأنّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتبع نهجاً منذ عقود لضرب هذه اللغة وهذه الحضارة... وها هم يبعثون بفنّانة عربيّة إلى أوروبا كأنّنا بإسرائيل صديقة للثقافة العربية!