خلال كلّ برامج المواهب التي بثتها mbc، كانت تعتصم عن سابق إصرار عند حالة استثمار الوضع السوري، ليكون مادة لاستجداء العطف الجماهيري، وتحقيق أكبر قدر من الربح أو تجيير هذه الحالة العاطفية لسحب البساط الجماهيري نحوها، بمعنى آخر نوع من المتاجرة بالألم بشكل تجاري بحت ولعب إعلامي من أجل أهداف تتعلق بالريتنغ. انطلت الحالة على كثيرين وهيّجت المشاعر العامة وتدافعت صفحات السوشال ميديا نحو مقاطع مؤثرة، والكاسب الأكبر كانت mbc التي كان يزلزل كيانها أن يرفع العلم السوري الرسمي في استديوهاتها. هكذا، حرصت على استبعاد كلّ من سيضعها في هذا المأزق، بينما حاولت مراراً إيصال رسائل بأنها معنية بأطفال اليمن مثلاً، بينما كانت الصواريخ السعودية تحيل مئات الآلاف من هؤلاء الأطفال إلى أشلاء. بذلت كل إمكانياتها وطوّعت تاريخها وصيتها من أجل غسل صورة المملكة الغارقة في الدم والتطرّف والإرهاب وتلميع صورة السلطة في المملكة الوهابية. كأنها فعلت ذلك مرغمة بعد اعتقال أميرها الوليد آل إبراهيم! في رحلتها السوداء تلك، لم يكن يصعب عليها أن تستقطب كبار النجوم العرب ليقولوا أمام الشيكات المفتوحة وبالفم الملآن «حاضر طال عمرك» حتى وهم يقصون طفلاً موهباً على حساب آخر أقل موهبة بذريعة جنسيته وسياسة المحطة! بدت أشكال هؤلاء النجوم باهتة، خاصة وهم يعيدون في كلّ موسم من مواسم برامج المواهب نفس ردّات الفعل ويصطنعون البكاء ذاته. تتهدّج أصواتهم لبرهة، ويسهمون في اللعب على المشاعر. ثم ينصرفون لحياة مختلفة جذرياً عن شكل تلاعبهم بمشاعر الناس. وإن كان ذلك تنفيذاً دقيقاً لما يملى عليهم من دون أي اعتراض. يستبعدون هذا ويقنعون ذاك أنّه نجم، وما أن ينتهي البرنامج حتى تجد معظم المشتركين قد توزعوا على الملاهي والنوادي الليلة بحثاً عن لقمة العيش، تسبق تقديمهم جمل وألقاب من شاكلة «نجم برنامج المواهب».


أوّل من أمس، أعادت mbc اللعبة وفق القواعد ذاتها، مستعينة هذه المّرة بموهبة سورية خاصة وهو النحات نزار علي بدر الذي وقف على مسرح برنامج «للعرب مواهب» (كل سبت 21:45) وشكّل من حجارة جبل «صافون» لوحة تجسّد رحلة النزوح السورية، فإذا بالمشهد يتحّول إلى مسرحية تندب الحظ السوري العاثر وتتباكى عليه. لا نعرف أين كانت المحطة والقائمون عليها ونجوم البرنامج عندما كانت السوريون ينحتون الصخر ليصلوا إلى البحر، ومن ثم يموتون غرقاً في عرضه! ولا ندري لماذا استفاقت القناة الآن على عنوان صار قديماً نسبياً، ومن تبقى من الشعب السوري بدأ يمضغ قسوة لا تقّل عن حجارة «صافون» بسبب الوضع الخدماتي المتردي. لا جدال في خصوصية وموهبة الرجل الخمسيني والكاريزما التي يتمّتع بها. لكّنه سرعان ما دخل هو الآخر في اللعبة بعدما أحاله المشهد القصير نجماً على الانترنت ووسائل الإعلام. أوّل ما فعله أن شتم الإعلام السوري، فإذا بـ «راكورات» هذا الإعلام وبعض عناصره المحنطة، ترّد عليه، معتبرة أصلاً بأن «الهجرة نوع من أنواع الخيانة»، ثم تهدد من يجرب أن يستضيفه على المحطات الرسمية مستقبلاً، قبل أن يحصي له آخرون المرات التي استضافته بها الشاشات الوطنية، وتسأل عن مزمار الغريب الذي يطرب! طبعاً، نسي من سأل الفارق الشاسع بين آلية وعقلية وميزانية mbc وحال الإعلام السوري. المهم في هذا الوقت كان هناك من يشارك الفيديو للنحّات السوري ويثني عليه، ويبكي من قلبه على الظروف التي عاشه أهله، لكن من الطبيعي أن ينقلب المشهد لاقتتال افتراضي بين السوريين! لا ضير في ذلك فالمحطة السعودية أنجزت ما تريد وقطفت ثمار الأعداد الهائلة من المشاهدين، لم يتبق على السوريين الآن سوى الجدال وتبادل الشتائم... كأنها صارت سنّة الكون؟!