لا خلاف ولا نقاش حول أنّ الكاتب هو المدماك التأسيسي لأي عملية فنيّة. فبدونه لا يمكن أن تقوم قائمة لأي صناعة درامية! قد يكون المنتج هاني العشّي («عاج» للإنتاج الفنّي) أحد المنتجين السوريين القلائل الذي يؤمنون بأنّ الكاتب هو عرّاب المشروع، لذا لا يقدم على أي خطوة من دون إشراكه وإطلاعه على مقترحات وخيارات أو بدائل! خطوة «عاج» الأخيرة كانت عودة إلى السوق بعد انقطاع دام سنوات، مع رغبة بصناعة مادة شامية متماسكة وتقديمها على مدار أجزاء متلاحقة. تمثلت التجربة في «حارة القبة» (كتابة أسامة كوكش وإخراج رشا شربتجي وبطولة: عباس النوري، وسلافة معمار، وخالد القيش وفادي صبيح... وآخرون) الذي عُرض منه موسمين، أوّلهما حصرياً على «دبي» التي امتنعت عن شراء الثاني بسبب معرض «إكسبو دبي»، ليحظى بمشاهدات قليلة على قناة الشركة على يوتيوب.
أما الجزء الثالث الذي صار جاهزاً للعرض، فسيُبصر النور في رمضان المقبل. ويعكف كاتبه على إنجاز الجزء الرابع الذي سيصوّر بعد شهر الصوم.
في حديثه مع «الأخبار»، يوضح أسامة كوكش أنّه لم يكن يوماً «مؤمناً بكتابة دراما بيئة شامية وليس لدي قناعة بها... ليس لأنّني أكرهها، بل على العكس، فأنا ابن دمشق واعتزّ بذلك، لكن من وجهة نظري كانت مشكلة هذه النوعية من الدراما في التسطيح. غالبية ما قدّم عبارة عن حبكة تصلح لكل زمان ومكان نستطيع تنفيذها في الزمن الحالي، ويمكن أن نعود بها إلى القرن التاسع عشر. يكفي أن نترك الموبايل ونغير الملابس ونخفي السيارات فيما تظلّ الحبكة واحدة... البيئة الشامية كنز حقيقي لكنّها بحاجة إلى الوثيقة، بشرط ألا تكون مدرسية، بمعنى أنّها تفتح باب الاجتهاد في البيئة السورية عموماً من دمشق إلى حلب والساحل والمنطقة الشرقية وكل المجتمعات المحلية المنوعة». ويضيف: «هكذا، تدخل إلى العمل الدرامي الذي سيكتسب بهذه التفاصيل أهمية مختلفة، لكن التجارب التي قدّمت البيئة الشامية وغيرها، ظلت مدرسية بمعنى النقل المتواتر من دون روح أو اجتهاد».
ويستطرد كوكش بسرد الأمنيات عن إمكانية أن يغوص العمل الدرامي السوري في مرحلة الكتابة إلى مستوى عميق، أو يشرق نحو مكان عالي الأهمية، فيما لو اجتمع باحث في التاريخ، مع ورشة كتابة درامية للحديث عن واقع ما من وجهة نظرهم جميعاً للشخصية، ثم يسأل: «هل نستطيع تناول رموز تاريخنا من وجهة نظرنا؟ هذا شبه مستحيل، إذ يجب أن تقدم وجهة النظر الرسمية المدرسية... على سبيل المثال يقال إنّ الشهيد البطل يوسف العظمة قُتل في معركة ميسلون برصاصة غدر من الخلف. ماذا لو قدمنا عملاً درامياً يتحدث عن هذه الفترة وفنّدنا فيه كيف استشهد العظمة برصاصة غدر، ولم يطاله حينها رصاص الفرنسيين؟ هل يتقبل الرأي العام، وقبله الرقيب الرسمي، رواية كهذه، أم يعتبرونها كفراً كونها تمس رمزاً وطنياً؟! طيّب ماذا لو ذهبنا إلى رموز أخرى وشخصيات تاريخية أكثر أهمية وإشكالية؟».
ويضيف كوكش: «حين نتمكّن من كتابة عمل من بيئة سورية بذريعة وثيقته التاريخية على أن نعيد تأليف الأحداث من وجهة نظرنا كصنّاع دراما، حينها نكون قد بدأنا التنقيب في تاريخنا وبيئتنا، ويمكن أن نستخرج الكنوز النفيسة من البيئات السورية... حينها تتخطى المسألة صحن التبولة وأكلة اليبرق بالدهنة».
أما عن «حارة القبة»، فيجزم بأنّه عمل يُعتد به على المستوى الشخصي، لأنّه على الأقلّ خرج عن المفردات المتداولة عموماً في مسلسلات البيئة الشامية، مثل العكيد وعضوات الحارة، ونأى بنفسه عن الأسلوب المكرّر في صياغة الحكاية: «قدمت دوراً متميزاً للمرأة، غير التي تدلّك قدم زوجها، وتجهّز له الطعام وتخدمه... حاولت اقتراحها حكائياً كربّة أسرة، وهذا واقع عايشت قسطاً بسيطاً منه في طفولتي... بالتالي جرّبت من دون أي ادعاء كسر الصيغة النمطية لأعمال البيئة الشامية، ليبقى الجمهور هو الحكم على نجاحنا أو فشلنا».