كانت المغنية الشعبية البرتغالية الأصل ليندا دي سوزا التي توفيت أمس الأربعاء في باريس عن 74 عاماً، تتقن كسب التعاطف من خلال إخبار قصة حياتها، وأتاح لها ذلك، إلى جانب موهبتها الصوتية، تحقيق شعبية واسعة في فرنسا خلال ثمانينيات القرن العشرين. توفيت دي سوزا صباح أمس في «مستشفى جيزور» في النورماندي (شمال غرب فرنسا) الذي أُدخِلَت إليه «بسبب فشل تنفسي وإصابة بفيروس كوفيد 19»، بحسب ما أفاد وكيلها فابيان لوكوفر ونجلها جواو لانكا في بيان تلقته وكالة «فرانس برس».
وأثار إعلان وفاة دي سيزا ردود فعل في البرتغال وفرنسا.
في هذا السياق، قال الرئيس البرتغالي، مارسيلو ريبيلو دي سوزا، في بيان: «لا تزال ليندا دي سوزا في ذاكرتنا كمثال للتصميم والوفاء. كانت أيقونة فرنسية للهجرة البرتغالية وبالتالي أيقونة للبرتغال».
أما وزيرة الثقافة الفرنسية، ريما عبد الملك، فاستذكرت «رحلة فريدة». وكتبت على تويتر: «غادرت حاملة حقيبة الكرتون لتفوز بحريتها، فارتقت إلى قمة المجد، ومرّت بمحن عدة».
اكتسبت دي سوزا شعبية كبيرة بعد مقابلة تلفزيونية في ثمانينيات القرن الفائت أحدثت خلالها تأثراً قوياً بقصة عبورها سراً الحدود الفرنسية حاملة ابنها وأمتعتها في «حقيبة من الكرتون»، وقد روت تفاصيل هذه التجربة في كتاب حمل عنوان «حقيبة الكرتون» (La Valise de carton) صدر عام 1984 وبيعت منه مليونا نسخة.
تيوليندا جواكينا دي سوزا لانسا المولودة في 22 شباط (فبراير) 1948 في بيرنغل في جنوب البرتغال، تولت الاعتناء بأشقائها السبعة تحت سلطة والد مدمن على الكحول وأم قاسية، قبل أن تهرب من عائلتها «المستبدة» في زمن لم يكن فيه المجتمع البرتغالي المحافظ جداً في ظل حكم أنطونيو سالازار يتقبل الأمهات العازبات مثلها.
وفي فرنسا، أقامت في ضاحية إيفري سور سين الباريسية الفقيرة، وعملت بدايةً في مصنع تعليب، ثم خادمة في العاصمة، وغنّت في أحد مقاهيها المتواضعة في مقابل أجر هو عبارة عن «طبق حساء»، بحسب روايتها.
وتضيف أن ملحناً كان حاضراً ذات يوم في المقهى أُعجب بصوتها، وسجّل لها أغنية بعنوان «البرتغالي». وما لبثت أن أطلت للمرة الأولى تلفزيونياً عام 1978 في برنامج شهير، ما جعل مبيعات هذه الأغنية تصل إلى 400 ألف نسخة.
انتقلت الشابة البرتغالية «من المكنسة الكهربائية إلى الميكروفون»، كما كانت تقول، وبيعت ملايين النسخ وخصوصاً في فرنسا من الأسطوانات التي أصدرتها طوال مسيرتها الفنية وزاوجت فيها بين المنوعات الفرنسية والأغنيات العاطفية البرتغالية.
أقبل جمهور كبير على مسرح أولمبيا في باريس لحضور سلسلتين من الحفلات الموسيقية أحيتهما عامَي 1983 و1984، ثم ظهرت في عدد من البرامج للترويج لسيرتها الذاتية، أحياناً مع نجلها جواو كارلوس الذي عُرف باسم «جانو».
وفي عام 1986، أصبحت «حقيبة الكرتون» مسرحية غنائية، ولكن على الرغم من الحملة الترويجية المكثفة، لم يُقبل الجمهور على عروضها في كازينو باريس، وما لبثت أن توقفت.
وبعدما اتهمتها عائلتها بتعمّد إعطاء صورة قاتمة عن حياتها، أطلّت مجدداً في برنامج ميشال دروكير التلفزيوني الشهير عام 1988 لتتحدث عن أسطوانتها الجديدة وكتابها الأخير «أُفرغ حقيبتي» الذي انتقدت فيه قطاع فنون الأداء.
وفي السنة نفسها، اقتُبس مسلسل تلفزيوني من ست حلقات من قصة حياتها، وحقق نجاحاً.
لكنّ أسطواناتها لم تعد تستحوذ على اهتمام الجمهور. وقالت عام 1997 «لم يعد في حقيبتي الكرتونية فرنك واحد!. لقد سرقني الجميع».
بقيت دي سوزا حتى نهاية حياتها تشكو من أنها تعرّضت لعمليات احتيال وسرقة هوية وأخطاء إدارية.
ويعود آخر ظهور لها على المسرح إلى سلسلة حفلات أحيتها بين عامَي 2015 و2017 ضمن جولة «آج تاندر» التي ضمّت عدداً من المغنين.
وفي عام 2015، صدر ألبوم بعنوان «أغنياتي الذهبية الأربعون» يضم أبرز أعمالها، أعادت إصداره في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت شركة «ماريان ميلودي» للإنتاج الموسيقي المتخصصة في الأعمال التي تشكّل تراث الأغنية الناطقة بالفرنسية.