بعد أكثر من شهرين على إقفال مطمر الناعمة، وما نتج منه من تراكم لعشرات آلاف الأطنان من النفايات في الشوارع وانطلاق حركة مطلبية لم تهدأ حتى الآن وتتجاوز قضية النفايات إلى قضايا معيشية أخرى توازيها أهمية. ومع احتلال الشاشات والمنابر من قبل كثير من المتطفلين وقلة قليلة من الخبراء، وتحوّل الخطة التي طرحها الوزير اكرم شهيب إلى ما يشبه «سوق عكاظ» أو «ما يطلبه المشاهدون»، في ظل ذلك، لا بد من قراءة تحليلية لقرار مجلس الوزراء الرقم 1 من المحضر 79 لعام 2015 وموضوعه «خطة معالجة وضع النفايات المنزلية الصلبة».
اولاً، لا بد من التذكير بأن هذا القرار يرمي الى «معالجة وضع قائم» لا إلى وضع «استراتيجية متكاملة لإدارة النفايات الصلبة»، ما يعيدنا إلى امر اشبه بخطة الطوارئ التي امتدت 17 عاماً، وينتهي بمطمرين/مكبين لكل لبنان بدل واحد لبيروت وجبل لبنان.
ثانياً، لم يحدد القرار النطاق الجغرافي للفترة الإنتقالية. هل هي لكل نفايات لبنان؟ إذا صح ذلك، فما هو المنطق الذي يبرر إرسال حوالى ثلث نفايات لبنان إلى منطقة مهمة بيئياً كمنطقة المصنع؟
الأمر الآخر أن هذا القرار ورغم عدم شموله النفايات الطبية والصناعية سيشمل في التطبيق جزءاً من هذه النفايات التي ترمى مع النفايات المنزلية. ولذلك يجب أن يلحظ هذا الموضوع بشكل واضح في أي خطة.

اختيار مواقع الطمر لا يجري من خلال استخدام حاستي الشم والنظر بل عبر الدراسات

ثالثا، ان «لجنة الخبراء» هي موضع تساؤل لكون معظم فريقها الفني كان شريكاً أساسياً في صياغة ودعم الخطط الفاشلة والفاسدة السابقة، بحسب توصيف اللجنة نفسها. اما القسم الآخر منها فلا علاقة مباشرة له بوضع الخطط لإدارة النفايات. من غير المقبول ان يقوم خبير باستغلال علمه وخبرته لإعطاء توصيات ووضع خطط متناقضة غب الطلب وفق أهواء السياسيين وتجار النفايات.
ماذا عن مضمون قرار مجلس الوزراء؟
1. يتحدث القرار في البند الأول عن فريق فني غير واضح لناحية المعايير التقنية والكفاءة والخبرة في تشكيله، ويضعه وصياً على البلديات.
2. إن اعتماد المطمرين/ المكبين في سرار والمصنع لم يكن وفق معايير علمية دقيقة، فالاختيار لا يجري من خلال استخدام حاستي الشم والنظر بل بموجب دراسات جيولوجية ومائية واجتماعية وغيرها. إذا صح القول أن موقع سرار مدروس سابقاً بالتفصيل وفقاً لهذه المعايير، فكيف تغير موقع المصنع من وادٍ في حوض مائي ضخم يصب باتجاه الأراضي اللبنانية إلى آخر يصب في الأراضي السورية خلال أيام قليلة.
3. أما معمل صيدا، فالكل يعلم أنه لا يمكنه خدمة منطقته بشكل ناجح حيث الفرز يطاول أقل من نصف الكمية بينما ترمى الكمية الباقية في بحيرة المياه الآسنة التي خلقها مشروع الحائط البحري المشبوه أصلاً. لذلك فهو خارج المعادلة!
4. من المرفوض أن يكون مكب برج حمود باباً لردم مساحات جديدة من البحر تحت أي مسوغ، لأن هذا العذر هو حجة السلطات لتبرير الإستيلاء على المال العام. كنا نأمل أن يزال الجبل بعد المعالجة لتأهيل منطقة مدمرة مثل مقالع نهر الموت وإعادة زرعها، عوضاً عن تمويل مشاريع حيتان المال والعقارات من الخزينة العامة. من العيب أن يكون هناك من يطرح ردم البحر كحل لبعض المشاكل المفتعلة أصلاً.
5. أما مطمر الناعمة، فالعذر المعطى هو أقبح من ذنب. علمياً، اتخذ قرار الإقفال منذ سنة ونصف سنة، ومنذ ذلك الحين كان يفترض بالشركة المشغلة أن تعمل على إقفال الخلايا وترتيبها وإعداد الأرضية لإنتاج الطاقة. اليوم، يجري الحديث عن أن فتح المطمر هو ضرورة لإقفال الخلية الأخيرة والقيام بإعداد الموقع لتوليد الكهرباء. السؤال السخيف الذي يطرح نفسه، ما هي الكمية الضرورية لإقفال الخلية؟ خمسون ألف، مئة ألف، أم مئتا ألف طن أو أكثر؟ هل تكفي الكميات الموجودة في الشارع لذلك أم نحتاج إلى أكثر؟ مع العلم أن هذه الكمية المفترضة للنفايات المتراكمة في الشارع تتناقص مع الوقت وفق كلام بعض خبراء اللجنة بدل أن تزيد منذ أكثر من أسبوعين. كيف سيتمكن المشغل الحالي من نقل هذه الكمية في سبعة ايام فقط لا غير، وهل هناك امكانية في المطمر لاستيعاب حركة الشاحنات؟
6. وفق القرار، إن مجلس الإنماء والإعمار لديه مدة شهر لإعداد المواقع الأخرى في سرار والمصنع ، ما يعني أنه خلال هذا الشهر لن تتحرك أي نفايات من الأرض لكون الخطة تتحدث عن عمل متوازٍ.
7. لا يتضمن القرار اي مساءلة عن الفترة السابقة التي وصفها الوزير شهيب نفسه بالفاسدة. من غطى ومن قبض؟
8. هل هناك إمكانية للاطلاع على العقود الجديدة مع المشغل الحالي أم أنها من الأسرار العليا لبعض المتحكمين في الدولة؟ من هي الجهة التي ستتولى الإشراف على حسن تنفيذ العقود هذه المرة. أهي الجهات الفاسدة أو اللامسؤولة نفسها؟
9. أما في ما يتعلق بالبلديات، ومع التأكيد على محورية دورها، فهل يقول لنا القرار إن وزارة المالية تحتاج إلى نحو 3 سنوات لتحويل كافة الأموال المستحقة وفق مصادر عليمة؟ هذا إن وقّع وزراء التغيير والإصلاح المراسيم. هل هناك آلية لتحديد حصة كل بلدية من أموال الخلوي لأنه لا آلية حتى الساعة لذلك؟ وهل سيخضع هذا التوزيع لمزاج موظف أو وزير؟ واخيراً، من قال إن أموال البلديات المسلوبة هي مخصصة للنفايات فقط؟ ومن يلزم البلديات بذلك إذا كان صحيحاً؟
وأخيراً، فإن قرار مجلس الوزراء يلحظ فقط ما قُدم إليه خلال الجلسة لا أيّ تعديلات أخرى أُضيفت على قاعدة إرضاء أصحاب العلاقة.
بناء عل كل ما سبق، لا يمكن إلا أن نرفض قرار مجلس الوزراء المذكور مثلما رفضنا القرار السابق الذي حمل الرقم نفسه، ووصفه أحد أعضاء اللجنة الحالية بنفايات الخطط. إن القرار الحالي هو تجميل لخطة الوزير محمد المشنوق من قبل الفريق نفسه مطعماً، لذلك اقتضى التوضيح برسم من يهمهم الأمر.
ملاحظة: ليس مطلوباً من مكونات الحراك، ولا هي مهمتها، أن تضع خطة بديلة. ولا يجوز تحميلها مسؤولية رفع النفايات من الشوارع، بل هي مسؤولية من أوصل الوضع إلى ما هو عليه حين وضع الحمار فوق الشجرة.
* رئيس جمعية «غرين لاين»