strong>محور الاصطياف: صوفر ــ بحمدون وعاليه، ينتظر الترجمة الفعليّة للبشائر الإيجابيّة التي ظهرت بعد اتفاق الدوحة. فليس هناك من دورة اقتصاديّة طبيعيّة على هذا المحور الذي يعتمد إلى حد كبير على موسم الاصطياف والسياحة. ولكن السؤال هو: هل لا يزال للرعايا العرب الدور المؤثر في هذه الدورة؟
رانا أبو جمعة
في محاولة لاستطلاع الحركة السياحيّة في محور الاصطياف، بحمدون ــــ عاليه وصوفر، جالت «الأخبار» على بعض المحال التجاريّة في مناطقه.

القطاع التجاري

صاحب المتجر لبيع الأدوات التزينيّة، «Incroyable»، في بحمدون، يقول إنّه لا يفتح متجره إلا في فصل الصيف ولمدة 3 أشهر فقط، حيث يأتي السياح الخليجيّون إلى لبنان، مشيراً إلى أنّهم يمثّلون 80 في المئة من زبائنه، أما الـ20 في المئة الباقون فهم من اللبنانيّين المغتربين.
ويشدّد على أنّه لا يمكنه الاعتماد على السياحة الداخلية، لأن الزبون اللبناني بشكل عام، وأبناء البلدة بشكل خاص، لا يملكون القدرة الشرائيّة في ظلّ الأوضاع المعيشيّة الصعبة التي نعيشها، «فبالكاد يفكر اللبناني في شراء مواده الغذائية وحاجياته الضرورية».
من جهتها، تقول إحدى الموظفات في محلّات الثياب، «Eternity» فرع عاليه، إنّ هذه البلدة هي لكلّ المواسم، ومبيعات المحل جيدة. ورغم قولها إنّ «لموسم الصيف وضعه الخاص نظراً للأرباح التي نجنيها»، تلفت إلى أنّه لم يعد للرعايا العرب الدور الاقتصادي المؤثر كما كان في السنوات السابقة. فعاماً بعد عام «يتراجع إسهامهم في النشاط الاقتصادي الذي يحصل في المنطقة... ونحن نعتمد بشكل كبير على أبناء المدينة والمصطافين اللبنانيين».

المطاعم والمقاهي

وضع المطاعم على محور صوفر ــــ بحمدون ــــ عاليه ليس أحسن حالاً من وضع محاله التجارية، فمعظم تلك المطاعم لا تفتح أبوابها إلّا مع انطلاقة موسم الاصطياف. مدير أحد مطاعم الوجبات السريعة يقول: «رغم أنّ فرعنا في بحمدون هو جزء من سلسلة لها فروع حتى في دول العالم، لكننا لا يمكننا أن نفتح أبوابنا طيلة أيّام السنة... الخلجيون هم زبائننا في الدرجة الأولى، وهم لا يأتون إلّا في فصل الصيف». ويشدّد على أنّ «تكاليف المطعم مرتفعة: الكهرباء والمياه والأجور. وهذه الأكلاف لا يمكن تغطيتها في باقي الفصول... وإن لم نقفل مع انتهاء الموسم ورحيل الرعايا العرب فسنتكبد خسائر جمة»، معرباً عن أمله في أن ينجلي الوضع السياسي والاقتصادي «حتى لا يهرب السياح وتذهب آمالنا في صيف واعد هباءً».

الإيجارات

شريحةٌ لا بأس بها من أبناء هذه المناطق تعتمد على موسم الصيف كي تؤجّر منازلها، ومنهم من يترك منزله الكبير لينتقل ويعيش في غرفة في طابق سفلي. وفي هذا الصدد، يشير رئيس بلدية صوفر، رامز شيا، إلى أنّه غالباً ما يؤجر منزله للخليجيين ويمضي صيفيّته عند ابنه المتزوج. ويقول: «7 آلاف دولار في شهرين تقريباً مبلغ جيد. ولكن هذا ليس حال الكثيرين في بلدة صوفر».
ويتبين أنّ بلدة بحمدون تعتمد بشكل شبه كلي على الرعايا العرب، وأنّ المحال التجارية التي لا تفتح غالبيّتها إلّا في فصل الصيف هي ليست سوى فروع لسلسلة محال ومطاعم تنتشر في مناطق لبنانية عديدة، ما يعني أنّ أصحابها ليسوا من أبناء البلدة، وإذا كان لهؤلاء من مردود جرّاء هذا النشاط الاقتصادي فهو يأتي من سعر الإيجار المرتفع لهذه المحال ومن الموظفين الذين يتوزعون في هذه المحال والمطاعم خلال أشهر فصل الصيف.
أما عاليه فلها وضعها الخاص. فهي تضم حوالى 45 ألف نسمة، ما يحتّم وجود سوق نشطة لتلبية احتياجات أهلها ومصطافيها، إنّما لم تعد تعتمد على تأجير المنازل للرعايا العرب، وهذا هو حال بلدة صوفر.

المضاربات العقارية

وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، غالب أبو مصلح، إنّ «المنطقة تعتمد إلى حد كبير على موسم السياحة في الصيف، ويرى أن الرعايا العرب ليسوا بمصطافين فقط بل أصحاب أملاك ومشترو عقارات... وذلك تاريخياً». فالثورة النفطية الحاليّة وما خلقته من فائض في الأموال في الخليج «أظهرت نوعاً من المضاربات على العقارات. فازدهرت الحركة الشرائية للعقارات، وذلك بهدف التجارة فقط، ما شكل انفراجاً وحلاً مؤقتاً لسكان هذا المحور في ظل انتفاء فرص العمل، ليس في لبنان فقط بل في دول المهجر، وخصوصاً في دول الخليج».
لكن هذه الحركة، بحسب أبو مصلح، «سرعان ما أضرّت بأبناء هذه البلدات على المدى البعيد، فرفع أسعار العقارات أدّى إلى رفع كلفة البناء، وبالتالي إلى رفع الإيجارات»، وكل ما حصل «انعكس بالطبع على الإنفاق الذي تراجع كثيراً. فمنطقة عاليه مثلاً كانت تقوم حركة اصطيافها بالدرجة الأولى على تأجير المنازل، وبالدرجة الثانية على ما يصرفه (الخليجيّون) خلال إقامتهم، ما أدّى إلى التقليل من نسبة تأثيرهم بشكل أساسي على الدورة الاقتصادية.


مجرّد إشارة

دورة اقتصاديّة طبيعيّة!

يرى غالب أبو مصلح أنّ «لبنان ككل لم يعد سوقاً تجارياً أساسيّاً للرعايا العرب، فقد أصبح في بلدانهم أسواق تجاريّة كثيرة تعج بالسلع»، وفي محور صوفر ــــ بحمدون ــــ عاليه «ليس هناك من دورة اقتصاديّة طبيعيّة... فتلك البلدات كانت تعتمد على قطاع الزراعة الذي قُضي عليه نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومات المتتالية... واقتصادنا لا يقوم حالياً إلّا على قطاع الخدمات... وهذه السياسات الاقتصادية لا تبني بلداً مزدهراً ولا تحد من مستوى الفقر ولا حتى من الهجرة».