لم تنقرض صناعة ألواح الثلج في لبنان، فتقنين التيار الكهربائي وانقطاعه المفاجئ سيبقي على ضرورة صناعتها وتوزيعها لسنوات طويلة مقبلة، وخصوصاً في فصل الصيف، وذلك رغم دخول البرّادات الكهربائية منذ عام 1955 إلى المنازل والمطاعم والفنادق اللبنانيّة
سلطانة متيرك

تتوافر صناعة الثلج في جميع المناطق اللبنانية، وخصوصاً على طول الساحل من طرابلس إلى بيروت مروراً بجبيل، ومن ثمّ صيدا الصرفند وصور، وزحلة أيضاً.
وفي صيدا مثّل ميناء السمك سبباً رئيسياً لبناء أوّل معملين لصناعة الثلج عام 1930، أحدهما قرب جسر الأولي عند مدخل صيدا الشمالي، وكان يملكه إلياس الهاشم وينتج نحو 1500 لوحاً يومياً، إلّا أنّه أقفل في أوائل السبعينات. أمّا الثاني، فهو لآل أمبريس ولا يزال منفرداً بهذه الصناعة حتى الآن، بعدما نُقل من منطقة التعمير إلى المدينة، وأجِّر لأناس مختصّين من آل جلول.
ويراوح إنتاج المعمل بين 400 و500 لوح يومياً، ويغطي استهلاك مدينة صيدا والقرى والبلدات المجاورة. إلّا أنّ عملية الإنتاج مكلفة، وتثقل صاحب المعمل والزبون، فوجود التيار الكهربائي طوال اليوم هو العامل الأساسي في نجاح العمليّة، وتفادي الخسائر. إضافة إلى ضرورة وجود عامل مناوب في الليل تحسباً لطوارئ الموت وحفظ الجثث في الثلج.
وفي ظل التقنين الصيفي، يضطر، صاحب المعمل، جمال جلول، إلى استخدام المولد الكهربائي، ما يدفع بفاتورة الكهرباء والمازوت إلى مليوني ليرة شهرياً، وهذا الارتفاع في أسعار الوقود دفع بجلول لصرف أحد العمال والاكتفاء بعامل سوري الجنسية، إلى جانب ابن أخيه (15 عاماً)، الذي يُعدّ عمله «مجرّد مساعدة من وقت لآخر».
ويحوي المعمل 3 آلات خاصّة بصناعة الثلج، أكبرها لإنتاج الألواح الكبيرة والمستطيلة بطول متر للقطعة، وتباع القطعة بأربعة آلاف ليرة. ويشرح جلول آليّة عملها قائلاً: «هي عبارة عن بركة ماء وضع فيها ملح خاص، وأنابيب ممدودة وموزعة في البركة، تغمرها المياه، وفيها مادة الأمونياك المستوردة من فرنسا. وفي الأنابيب مياه حلوة تستخرج من بئر ارتوازية خاصة بالمعمل».
وعندما تدور الآلات الكهربائية، يوضح جلّول، «تبقى القوالب المعبأة بالمياه الحلوة النظيفة ما يقارب ثماني ساعات، كي تصبح ألواح ثلج، ثمّ ترفع القوالب ويفرغ ما فيها من ألواح بيضاء وتوزّع على الزبائن»، لكي تستخدم في البرادات الكبيرة عند انقطاع التيار الكهربائي، أو تكسر لحفظ ما بقي من اللحوم لدى القصابين لبيعها في اليوم التالي.
وعن الآلة الثانية فهي تبشُر الألواح، ويشرح جلّول عنها بالقول: «هي عبارة عن شفرة حادة من الفولاذ على قاعدة حديدية، يضغط عليها العامل فتُخرج من فتحة سفليّة ثلجاً مبشوراً»، غالباً ما يُستخدم لتبريد وحفظ السمك حتى لا يتأثر بعوامل الطقس، كما يُباع إلى المطاعم لتقديمه مع المرطبات والفاكهة التي تغمر به.
والآلة الثالثة تصنّع مكعبات الثلج، التي تستعمل في المشروبات الروحية. ويباع كيس المكعبات بألفي ليرة. ويتولى جلول نقل الثلج إلى المستهلك بواسطة سيّارته. ويشرح أنّ تلك المكعّبات «توضع أيضاً في أكياس خاصّة من النايلون والكاوتشوك لتبريد رأس وجسم المرضى والمحرورين»، كما «تستعمل لحفظ جثث الموتى قبل دفنها».
وعن أعمال الصيانة وتأمين قطع الغيار، يقول جلّول: «نقوم شخصياً بأعمال الصيانة الدورية قبل فصل الصيف، ونؤمّن ما نحتاج إليه من قطع الغيار من بقايا قطع المعامل المتوقفة» بسبب غلاء القطع الجديدة. وفي حال عدم توافرها «نخرط القطع القديمة في المخارط» وذلك بسبب توقف إنتاجها في فرنسا منذ تطوّر الصناعة... «نستطيع إصلاح الأعطال البسيطة، فقد تعوّدناها وحفظنا طرق و أساليب المعالجة».
وتجدر الإشارة إلى أنّه كان هناك استعمالات عديدة للثلج قديماً، كصناعة البوظة العربية، حيث كانت توضع قطع ثلجية في برميل خشبي، وفي وسطه وعاء نحاسي يحتوي المكوّنات مثل الحليب والشوكولاتة والفريز. ويحرك الوعاء النحاسي لساعات حتى يجمد ما بداخله، ويجمع ويدق لتنعيم البوظة بعد تجمدها.
وفي أوّائل القرن الماضي، كان الفرنسيّون هم أوّل من تنبّه إلى أنّ عملية نقل الثلج من الجبل إلى المدن بواسطة البغال والجمال غير صحيّة. فشجعوا بعض الأهالي والوجهاء في المدن الكبرى على إنشاء معامل لإنتاج الثلوج، وساعدوهم على استيراد الآلات من فرنسا، ودربوا عدداً من العمال على تلك الصناعة، فعمت ألواح الثلج المصنّع المدن والبلدات.
وبين عامي 1935 و1955، كانت الألواح الثلجيّة هي الطريقة الوحيدة للتبريد، ففي العام الأخير، دخلت البرادات الكهربائية إلى لبنان... إلّا أنّ تشغيل تلك الأدوات، يتعلّق بتأمين الكهرباء، المفقود حالياً، لذا فإنّ صناعة ألواح الثلج يبدو أنّها لن تنقرض.